لم ولن يسلم بيتُ من الخلافات الزوجية، بحكم لطبيع البشرية وعدم الاتفاق في وجهات النظر، ولكن المسلم له مع الخلاف آداب بل عليه ابتداء أن يتعلم أسباب الخلافات الزوجية ومعالجتها.
أسباب الخلافات الزوجية:
من جانبه، يبين د. محمد عبد اللطيف قنديل الأستاذ بجامعة الأزهر أن أسباب الخلافات الزوجي كثيرة ومتعددة ويرج ذلك لعدة جهات كما يلي
1- من جهة الزوجين: فقد يتصرف الزوج مع زوجته تصرفًا يغضبها، وقد تتصرف الزوجة كذلك تصرفًا يغضبه.
وعلاج ذلك: الصبر والتحمل والنصح والتوجيه ويؤدي كل من الزوجين ما وجب عليه من حقوق وواجبات للآخر بحب وإخلاص.
2- من جهة الأولاد: نتيجة سوء التربية وانشغال كل من الزوجين عنهما بتركهما الأولاد لرفقاء السوء، ووسائل التواصل الاجتماعي التي دمرت الأخلاق وأفسدت العقول عند الكثير إلا من رحم الله.
وعلاج ذلك: الاهتمام بتربية الأبناء في الصغر على هدي كتاب الله وسنة رسول الله عقائديًا وعلميًا وأخلاقيًا.
3- من جهة الأقارب: ولاسيما إذا كان المسكن واحدًا.
ويضيف أن علاج ذلك: سكنى الزوجين في مسكن بعيد إن أمكن، وإلا فعليهما حسن الخُلق مع الأهل
والأقارب وكثرة الهدايا، فللإحسان أثر مهم وفعال في إصلاح القلوب ولذلك يقول الشاعر:
أحسِن إلى الناس تستعبد قلوبهم ∴ فطالما استعبد الإنسان إحسان
4- من جهة الأصدقاء: فقد يكون أصحاب الزوج أو صاحبات الزوجة أهل سوء، وسبب في إثارة الفتن والشكوك بين الزوجين.
وعلاج ذلك: قطع الصلة بهم تمامًا، والبحث عن رفقة صالحة، فالمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
فإذا ما حُلْت هذه المشاكل فالحياة الزوجية ستكون بفضل الله سكن ومودة ورحمة، كما أرادها الله .
معالجة نشوز الزوجة:
ويبن د. قنديل أنه إذا لم تحل وجب علينا الرجوع إلى المنهج الرباني الذي وضعه لنا ربنا في القرآن الكريم.
أولًا: إذا كان الخطأ من الزوجة وهي التي تريد هدم الأسرة فعلى الزوج أن يعظها، فإذا رجعت إلى رشدها فالحمد لله على ذلك، وإلا هجرها في المضجع، وإلا ضربها ضربًا غير مبرح، يقول المولى : "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عليهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عليا كَبِيرًا"، فإن أصرت على ما هي عليه، فلنأتِ بحكمٍ من أهله وحكمٍ من أهلها فإن وُفِقَا للإصلاح بينهما كان خيرًا، يقول الله : "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عليمًا خَبِيرًا"
وتضيف: إن لم يوفقا طلقها الزوج طلقة واحدة طهر لم يجمعها فيه، ولا يخرجها من البيت بل تقتضي عدة الطلاق فيه، لتكون على مرأى ومسمح من زوجها، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا.
تقويم الزوج الظالم:
ويذكر د. قنديل أنه إذا كان الزوج هو الظالم لها، وضاق قلبها منه ولم تستطع تحمله، وصنعت كل الوسائل التي ترقق قلبه ولم تفلح، فهو ظالم لنفسه ولها. يقول الله : "وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَل ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ"، فَيُذَكَرُ بالله ويُلْزَمُ بالإحسان إلى زوجته.
ومعاشرتها بالمعروف، وإلا طلقها وأعطاها كل حقوقها المالية المترتبة على الطلاق، وإلا رَفعْت أمرها إلى القضاء؛ لأن للقاضي ولاية عامة في رفع الضرر عن الناس، ولذا يثبت له حق التفريق بين الزوجين، وهذا الحق الذي يثبت له بحكم ولايته العامة، وليس بحكم كونه نائبًا عن الزوج، فإن لم تستطع الزوجة رفع أمرها إلى القضاء.
متى يكون طلب الخلع؟
فلها أن تطلب منه الخلع مقابل تنازلها عن الصداق الذي أعطاها أو أعطى بعضه لها.
قوله تعالى: "وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عليهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ"
ويوضح أن المرأة تفدي نفسها بما تبذله لزوجها والخلع يكون بالتراضي بين الزوجين، فإن لم يتم التراضي منهما فللقاضي أن يلزم الزوج بالخلع، وإذا ظهرت أمامه الأسباب التي تقتضي هذا للحديث المتفق عليه أن ثابت بن قيس بن شماس وزوجته رفعا أمرهما إلى رسول الله فألزمه النبي أن يقبل الحديقة التي كان قد دفعها مهرًا لها ويطلقها تطليقة.
والإسلام قد شَدَدَ على المرأة في طلب الخلع إن لم يكن هنالك سبب حقيقي يقتضيه، ففي مسند الإمام أحمد وسنن النسائي يقول "المختلعات هن المنافقات".
ويذكر أستاذ الفقه المقارن أنه كما حرم الإسلام على الزوج أن يؤذي زوجته بمنعها بعض ما وجب لها عليه من حقوق حتى يضيق صدرها منه فتخلع نفسها، فهذا من أعظم الذنوب التي يرتكبها الزوج في حقها؛ لأن فيه ضياعًا لحقوق الزوجة من جهتين
الأولى: جهة خراب البيت.
الثانية: جهة الغرامة المالية التي ستغرمها المرأة.
ولا رجعة في الخلع، لكن إذا اتفقا الزوجان بعد الخلع إلى العودة إلى الحياه الزوجية فلا يرجعان إلا بعقد جديد ومهر جديد.