لا ينبغي أن يشعر المؤمن بضيق يلازمه وعليه ألا يعبأ بضغوط الدنيا ويتخفف من متاعها وزينتها لأن يعيش في هذه الدنيا وهو يرى الآخرة أمامه، قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: "عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِن أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ". رواه مسلم.
الخوف من المستقبل:ومما يشغل بال البعض أنه يخاف من المستقبل وأزماته ومشاكله المادية كما يخاف على أولاده، وهذا الإحساس الفطري البشري تناوله الله في القرآن في أكثر من موضع ووضع له حلولا قاطعة، قال تعالى: "وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا" وهذه الآية في حق من يحتضر لكنه لا يحقق العدالة في أولاده من بعده ويظلمهم بالوصية قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: هذا في الرجل يحضره الموت، فيسمعه الرجل يوصي بوصية تضر بورثته، فأمر الله تعالى الذي يسمعه أن يتقي الله، ويوفقه ويسدده للصواب، ولينظر لورثته كما كان يحب أن يصنع بورثته إذا خشي عليهم الضيعة.
وهكذا قال مجاهد وغير واحد، وثبت في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على سعد بن أبي وقاص يعوده قال: يا رسول الله، إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة ، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال: "لا"، قال: فالشطر ؟ قال: "لا"، قال: فالثلث؟ قال: "الثلث، والثلث كثير"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس".
وبهذا فتحقيق لدالة في القول واعمل قبل الوفاة تجعل مرتاحا على أولادك من بعدك.
فضل الإنفاق في سبيل الله:
أيضا لمن يخاف من المستقبل وأزماته ويخشى على نفسه وأولاده فيسلك سبلا غريبة من احتكار السلع وتخزينها ويسعى لتحصيل المال بكل صورة شرعية كانت أو غير شرعية فهؤلاء جميعا نبههم الله تعالى إلى العلاج بشكل رائع ووصاهم بوصية جميلة تحفظ لهم ما يريدون وزيادة حيث وعدهم الله تعالى بالأمان والأمان إن هم لازموا على عبادة هي من أرقى العبادات وهي عبادة الإنفاق في سبيل الله؛ حيث وعد الله تعالى بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فصاروا بمنزلة الشهداء "لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"،
قال تعالى: "الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" الآية 262.
وقال أيضا "ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَموَٰلَهُم فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتبِعُونَ مَا أَنفَقُواْ مَنّا وَلَا أَذى لَّهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلَا خَوفٌ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُونَ".
وجاءت في حق الشهداء في الآية 170 من سورة آل عمران "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ".
وبهذا فإن من يلازم على هذه العبادة وهي عباد انفاق في سبيل الله فهو في معية الله وأولاده ومن يعول فلا يخشر فقرا ولا إقلالا فهو في مظلة قوله تعالى: وَلَا خَوفٌ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُونَ.
وقد أيدت السنة المطهرة هذا المعنى : أن النبيَّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - دخل على بلالٍ وعنده صُبْرَةٌ من تَمْرٍ، فقال : ما هذا يا بلالُ ؟!، قال : شيءٌ ادَّخَرْتُهُ لِغَدٍ، فقال : أَمَا تَخْشَى أن تَرَى له غَدًا بُخَارًا في نارِ جهنمَ يومَ القيامةِ ؟ ! أَنْفِقْ بلالُ ! ولا تَخْشَ من ذِي العرشِ إِقْلالًا؟، وفي الحديث :"ما نقصَ مالٌ من صدقةٍ ولا زاد اللهُ عبدًا يعفو إلَّا عزًّا ومَن تواضعَ للهِ رفعَهُ اللهُ"