اعلم يقينًا أن الإنسان مأجور على أحزان قلبه وعلى وحدته، وعلى تحمله للأذى، وصبره على البلاء، مأجور حتى على ابتسامته المكتومة التي يرسمها بين أهله ليوهمهم بسعادته حتى لا يبتئسوا، مأجور حتى على حزنه على فعل المعاصي والإسراف فيها.
وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «والمكروه الوارد على القلب.. إن كان من أمر ماض، أحدث الحزن، و إن كان من مستقبل، أحدث الهم، و إن كان من أمر حاضر، أحدث الغم»، ذلك أن حياة المؤمن بين الصبر والشكر.
ففي الصحيح عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: قال: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له».
تفوق الخيال
على المؤمن أن يوقن أن النتيجة التي سيحصل عليها في النهاية جراء تحمله حزنه، تفوق كل خيال.
عن جابر رضي الله عنه قَالَ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يود أَهل العافية يوم القيامة حِينَ يُعطى أَهلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَو أَنَّ جُلُودَهُم كَانَت قُرِّضَت فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ»، ذلك أن الجنة بيت لا يمكن أن يقترب منه الحزن أبدًا، لأن ذلك وعد إلهي، ولا يمكن بأي حال تغييره.
إذ يقول العلماء: إن الجنة تميزت عن الدنيا فليس فيها هم ولا غم، فعلى الرغم مما ذكر الله للجنة من الصفات العظيمة الشريفة قال عن أهلها: «لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ» (الحجر:48)، وقال عنهم أيضًا: «وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ» (فاطر:34)، ولذلك فإن أصحاب القلوب المؤمنة إذا ابتلاهم الله في حظوظهم الدنيوية، فلأنهم يعرفون حقيقة الموضوع أصلاً، فتجدهم لا يكترثون لما يصيبهم من متاعب الدنيا ولأوائها، ويدفعهم هذا الأمر ليزدادوا من الله قربًا.
اقرأ أيضا:
هل الإمداد بالمال والتأييد من البشر "منحة ربانية"؟حقيقة الدنيا
إذن على كل مسلم موقن في الله عز وجل، أن يعي يقينًا أن حزن الدنيا زائل، فلا يجزع ولا يهاب أي شيء، طالما كانت نيته بالأساس رضا الله عز وجل، ولقد بين المولى سبحانه حقيقة الدنيا وأرشد إلى ما ينبغي للعباد أن يتطلعوا إليه فقال: «يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ» (غافر:39).
ولذلك أهل الإيمان لما عرفوا طبيعة الدنيا لم ينشغلوا بتحصيلها كثيراً يقول أحدهم: «إذا دخلت بيتي فأكلت رغيفي، وشربت عليه الماء، فعلى الدنيا العفاء»، يقول هذا، لأن نبيه صلى الله عليه وسلم علمه: «من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا».