يعتبر "زيد بن عمرو" والد الصحابي الجليل وأحد العشرة المبشرين بالجنة " سعييد بن زيد: عملاق التوحيد يف الجاهلية وقبل بعثة النبي عليه السلام.
وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " ولقد رأيته في الجنة يسحب ذيولا".
توحيده في الجاهلية:
تفاصيل القصة تعود إلى العصر الجاهلي، وقتها كانت العرب تتخذ من الأصنام شركاء لله، فصنع بعض العرب آلهتهم من الحجر، وصنعها آخرون من الخشب، ووصل الأمر ببعضهم إلى عبادة آلهة مصنوعة من التمر كانوا يأكلونها في وقت الجوع.
فمن بين ركام هذا الوضع الكئيب خرج رجل من قبيلة قريش يقال له (زيد بن عمرو بن نفيل)، هذا الرجل نظر في حال العرب وما يعبدون من أوثان، فلم تستسغ فطرته السليمة هذا الأمر، فتوصل هذا العربي البدوي إلى نظرية علمية لم يتمكن فلاسفة الفرس أو علماء الإغريق من التوصل إليها.
نظريته في التوحيد:
هذه النظرية العلمية التي وضعها هذا العبقري العربي من فوق رمال صحراء الجزيرة تسمى بـ "نظرية الشاة لإثبات توحيد الله" وتتلخص هذه النظرية في كلمات بسيطة وجهها زيد بن عمرو إلى قومه قائلا: "الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض الكلأ، ثم تذبحونها على غير اسم الله؟".
بالرغم من بساطة هذه النظرية التي توصل إليها هذا العربي من خلال استخدام عقله فقط لتحليل عنصر بسيط من عناصر بيئته البدوية البسيطة، أرى أن هذه النظرية تفوق في أهميتها العلمية التجريبية كل ما كان (أفلاطون) و (أرسطو) و (سقراط) قد توصلوا إليه من نظريات تفسر سر "الوجود الإنساني".
ونحن هنا لا نتحدث عن نبي يوحى إليه بحقيقة الوحدانية، بل نتحدث عن رجل عادي استخدم أهم نعمة للإنسان -العقل- لاستنباط حقيقة الوجود التي شغلت البشر في كل العصور، وما زالت.
اقرأ أيضا:
أبو بكر "قلب الأمة الأكبر" بعد النبي و" أمير الشاكرين"وقفة بسيطة:
العرب كانوا يعرفون أن الله هو الخالق، ولكن مشكلتهم كانت تتمثل في كونهم كانوا يتقربون إلى الله بتلك الأصنام.
وقد أنكر زيد بن عمرو على العرب عبادتهم للأصنام، وأنكر عليهم أيضا عادة وأد البنات، فكان رحمه الله يذهب إلى الرجل الذي يريد وأد ابنته فيقول له: لا تقتلها واتركها تعيش وأنا أكفيك مؤونتها.
ثم بعد ذلك قرر زيد بن عمرو الرحيل إلى الشام لكي يفتش عن دين التوحيد الذي توصل إليه بعقله، وفي الشام لم يقتنع بدين اليهود، ولم يقتنع بدين النصارى أيضا، ولكن عالما من اليهود وآخر من النصارى أخبراه أن دين التوحيد الذي ينشده هو دين إبراهيم الحنيف الذي لم يكن يعبد إلا الله.
عندها رفع زيد يديه إلى السماء وقال مناجيا ربه: اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم. ثم رجع زيد إلى مكة، فأسند ظهره إلى الكعبة وصاح في الناس: "يا معشر قريش! والله ما منكم على دين إبراهيم غيري".
ثم وقف هذا العملاق الإسلامي حائرا لا يعرف كيف يصلي لله، فأخذ يبكي من الحيرة وهو يقول: "اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به ولكني لا أعلم" فيخر ساجدا أمام الكعبة.
وفي يوم من الأيام وبينما زيد بن عمرو في بلاد الشام المباركة، جاءه راهب نصراني علم بقصته، فأخبره أن نبيا سوف يبعث قريبا من بلاد العرب من ولد (إسماعيل ابن إبراهيم)، فرجع زيد إلى مكة يريد ذلك النبي، العجيب أن زيدا كان يقابل النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة ويخبره بأمره وما هو عليه من دين إبراهيم.
نهاية زيد بن عمرو:
ويروي الحافظ (ابن حجر العسقلاني) في "فتح الباري" رواية عجيبة يرويها (عامر بن ربيعة) يقول فيها: "قال لي زيد بن عمرو: إني خالفت قومي، واتبعت ملة إبراهيم وإسماعيل وما كانا يعبدان، وكانا يصليان إلى هذه القبلة، وأنا أنتظر نبيا من بني إسماعيل يبعث، ولا أراني أدركه، وأنا أومن به وأصدقه وأشهد أنه نبي، وإن طالت بك حياة فأقره مني السلام!
قال عامر: فلما أسلمت أعلمت النبي -صلى الله عليه وسلم- بخبره قال: فرد عليه السلام وترحم عليه، وقال عليه الصلاة والسلام: ولقد رأيته في الجنة يسحب ذيولا".
ثم خرج زيد بن عمرو إلى الشام مرة أخرى، فوجده أحد الرهبان النصارى وأخبره بأن نبي آخر الزمان الذي ينتظره قد ظهر بالفعل، فلم يصدق زيد ابن عمرو نفسه من شدة الفرح، فأسرع نحو مكة يريد ذلك النبي الذي عاش طيلة حياته يتمنى رؤيته وهو لا يعلم أنه هو نفسه محمد بن عبد الله، ذلك الشاب الذي كان يقابله في شوارع مكة! وبينما زيد في طريقه إلى مكة فرحا مسرورا، حدثت المأساة، فقد هجم عليه مجموعة من قطاع الطرق فقتلوه.