دل النبي صلى الله عليه وسلم على بعض الكلمات البسيطة التي يستزيد من خلالها المؤمن من الخير، ويتحصل على مغفرة الذنوب، ويلتحق بجداول التائبين من الأنبياء والصديقين والشهداء.
فإذا تأمل الإنسان، في جوف الليل حال من استقر بهم الخطأ في ظلمة الخوف، وفي وحدة المكان، وعزلته، دون أن تستطيع أن تستغيث بأحد، أدركت أنك في حاجة للهرولة إلى الله عز وجل ليغيثك من وحدة المعصية إلى نور التوبة.
وها ما فعله يونس عليه السلام، حينما أدرك نفسه وحيدا في بطن الحوث، بعدما يأس من روح الله عز وجل، وأذنب ذنبا، فتاب عنه بسيد الاستغفار، حينما قال: " لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ".
فكم كان عدد تسبيحات يونس في بطن الحوت، حينما نادى ربه في الظلمات فاستجاب له ربه! فقال تعالى: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 87، 88].
اقرأ أيضا:
كيف يكشف الشح عوراتك أمام الأخرين؟ فكانت هذه التسبيحة البسيطة في عدد كلماتها، والعميقة في معناها، هي سبيل النجاة من المخاطر، ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ﴾ [الصافات: 143 - 146].
فهل حنَّت دعوة يونس إلى العرش كما روى ابن جرير الطبري في تفسيره عن أبي هريرة أنه قال: "لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت، أوحى إلى الحوت أن لا يَخدِش له لحمًا ولا يَكسِر عظمًا، فأخذه فهوى به إلى مسكنه من البحر، فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسًّا، فأوحى الله إليه أن هذا تسبيح دواب البحر، فسبَّح هو في بطن الحوت، فسمعت الملائكة تسبيحه، فقالوا: ربنا إنا سمعنا صوتًا ضعيفًا بأرض غريبة، فقال: ذلك عبدي يونس عصاني فحبستُه في بطن الحوت في البحر، قالوا: العبد الصالح الذي كان يَصعد إليك منه كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال: نعم، قال فشفعوا له عند ذلك، فأمر الحوت فقذَفه في الساحل ﴿ وَهُوَ سَقِيمٌ ﴾"؛ أي: ضعيف الجسم.
وروي عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من دعا بدعاء يونس استُجيب له، ودعوته هي: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾.
فقد دل النبي صلى الله عليه وسلم على أن نتمسك بالتسبيح تذللاً وتوبة؛ عسى الله أن ينفعنا بها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وسيد التسبيح والاستغفار هو قول يونس: " لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ".