تبين لجنة الفتوى بسؤال وجواب أن بداية لا تقبل الوصية إلا بما يثبتها؛ فالوصية لا بد أن يكون لها ما يثبتها من بينة شرعية كالكتابة أو الشهود، ولا تقبل بمجرد الادعاء؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) رواه البخاري، ومسلم ، وعند البيهقي في "السنن الكبرى" (وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل".

وهذا ما اتفق عليه أهل العلم.

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: "وقد أجمع أهل العلم على أن البينة على المدَّعي واليمين على المدعَّى عليه، ومعنى قوله: (البينة على المدَّعي) يعني يستحق بها ما ادعاه " انتهى من"الإشراف"، وإذا لم تثبت الوصية ببيّنة شرعية فلا عبرة بها، إلا في حال موافقة الورثة عليها وكانوا عاقلين راشدين، فهم المالكون للتركة.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ) رواه البخاري ومسلم.

وما دامت ملكهم فلهم حرية التصرف فيها.

جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية":" الولاية على المال نوعان: قاصرة، ومتعدية.

فالقاصرة: هي سلطة المرء على مال نفسه، وهي ثابتة لكل من له أهلية الأداء الكاملة، وهو البالغ العاقل الرشيد من الذكور والإناث، فله أن يتصرف في مال نفسه بما يشاء من أنواع التصرفات السائغة شرعا".

وإذا وافق بعض الورثة على الوصية المدعاة بدون بينة، ورفض الباقون؛ ففي هذه الحال يخرج سهم هذه الوصية من مال من وافق دون غيره.

وعلى ذلك فلو كان للوارث الذي قبل تنفيذ الوصية نصف التركة، فإنه يخرج من ماله نصف الوصية، فلو كان أوصى بألف أخرج هو من ماله خمسمائة، ونحو ذلك.

قال النووي رحمه الله تعالى: لو أقر أحدهما أنه أوصى بربع ماله، وأنكر الآخر، فعلى المقر أن يدفع إلى الموصى له ربع ما في يده... " انتهى من" روضة الطالبين".

وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى: " الوارث إذا أقر بدين على موروثه، قبل إقراره، بغير خلاف نعلمه. ويتعلق ذلك بتركة الميت ولأنه إقرار يتعلق بحصته وحصة أخيه، فلا يجب عليه إلا ما يخصه، كالإقرار بالوصية " انتهى. "المغني". ولا يصح أن يجبر الآخرون عليها.

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: "وقد أجمع المسلمون أنه لا يقبل إقرار أحد على غيره " انتهى من"التمهيد".

إقرار الورثة بالوصية وإخراجها من نصيب أحدهم وأما إذا أقر جميع الورثة بالوصية، لكن أرادوا أن يخرجوها من نصيب أحدهم لسبب من الأسباب ككونه أكبرهم حصة ونحو هذا.

فإن كان برضاه وهو راشد عاقل فلا حرج في هذا، لأنه ماله فله أن يهديه ويتنازل عنه لغيره كما سبق.

وأما إن كان غير راض بهذا أو كان طفلا صغيرا أو ليس بعاقل، فلا يصح أن تخرج الوصية من ماله وحده، فهذا ظلم؛ لأن الوصية يجب أن تتناول نصيب كل وارث؛ ولهذا جاء الأمر بإخراجها قبل تقسيم التركة على الورثة.

وأما إن كان المراد أن الموصي هو الذي ذكر في وصيته، أن هذه الوصية تخرج من نصيب فلان دون فلان من الورثة، فهذه وصية جور، ولا يحل لصاحب المال أن يوصي بذلك، وليس ذلك له، أن يقسم الأنصباء كما شاء ، أو أن يعطي بعض الورثة، ويمنع آخرين، أو ينقصهم عما فرض الله لهم ؛ فكل هذا جور ظاهر معلوم، ولو علمه الوارث وقامت البينة عليه: فإنه لا يلزمه أن ينفذ شيئا منه، لأنها وصية جور. وإما إن لم تقم بها البينة، فهو أبعد لها، وأدعى لبطلانها، وعدم الالتفات إليها.

أنه إذا رضي أحد الورثة بإخراج الوصية من نصيبه وحده فلا حرج في ذلك، وإن لم يرض فالوصية تخرج من التركة قبل تقسيمها ، ثم يقسم باقي التركة على الورثة .