يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام: «الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ» (الشعراء 87).

كأنه الدعاء الأعظم على الإطلاق، إذ أنه يحتوي على كل ما يريده الإنسان في الدنيا والآخرة، فمن منا لا يتمنى أن يكون من ورثة جنة النعيم؟.. ومن منا لا يريد أن يكون له لسان صدق في الآخرين؟.. ومن منا لا يريد أن يغفر الله لأبيه وأمه وأهله أجمعين؟.. ومن منا يتمنى ألا يخزيه الله يوم القيامة؟.. بالتأكيد جميعنا يتمنى ذلك.. ولكن هل نسعى بحق ونسلك الطريق الذي يوصلنا إلى النهاية العظيمة؟.

نعمة الستر

لو تدبرنا الآيات جيدًا، وهي دعاء عظيم دعا به نبي الله إبراهيم، لوجدنا أن المقصود هو ألا يفضحنا الله يوم البعث، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ومن ثمّ، كأن الاختيار بأيدينا، فمن جاء الله بقلب سليم نجا، ومن حمل قلبًا غير ذلك فضحه الله أمام عباده أجمعين، والقلب السلم لاشك هو قلب المؤمن لأن قلب الكافر والمنافق مريض.

قال الله تعالى : « فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ» (البقرة 10)، وأما قوله : « ولا تخزني يوم يبعثون » يقول : ولا تذلني بعقابك إياي يوم تبعث عبادك من قبورهم لموقف القيامة.. « يوم لا ينفع مال ولا بنون »، يقول : لا تخزني يوم لا ينفع من كفر بك وعصاك في الدنيا مال كان له في الدنيا ، ولا بنوه الذين كانوا له فيها ، فيدفع ذلك عنه عقاب الله إذا عاقبه ، ولا ينجيه منه.

اقرأ أيضا:

تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.. أشهر ما قيل عن الغيبة ويخلع القلب

سلامة الصدر

كل ما سبق يتعلق بسلامة الصدر، فإذا حملت هذا القلب الطيب الصافي لله، وغير المنافق، أو المتكبر، أو الحاقد والحاسد، فأنت ستنجو بإذن الله، أما إن كان قلبك غير ذلك فأنت في مشكلة كبيرة، تحتاج لحل سريع قبل فوات الأوان، قال الله تبارك وتعالى: « وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ » (المؤمنون: 60).

هذه القلوب لا تعرف المن، قال الله تبارك وتعالى: « لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ » (البقرة: 264)، ولا تعرف الغِل، قال الله تعالى: « وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ » (الحشر: 9- 10)، فقيس ذلك على قلبك، فإن نجا فأنت بإذن الله مع من يستجيب الله لهم هذا الدعاء العظيم.