نتمنى جميعنا لو أن نتحصل على بركة النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، ليحفظ بها مالك وولده، ويزيده الله عز وجل أكثر وأكثر، ويتصور البعض أن هذه البركة فقط تكون في وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان بالتأكيد وجوده صلى الله عليه وسلم بركة ما مثلها بركة، إلا أننا نستطيع أيضًا الحصول على البركة من رب البركة متى شئنا.. ولكن علينا أولا أن نوفر السبب لذلك.
وأهم الأسباب لاشك هو التصدق بأغلى ما لدينا فإذا فعلنا نلنا البركة والخير الوفير، وما ذلك إلا وعد وعده الله عز وجل لعباده، قال تعالى: «لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ» (آل عمران 92)، فكيف بنا يعدنا الله بأنه من ينفق مما يحب ينال أكثر مما يحب، ومع ذلك ترى كثير منا يبخل.. وإنما وهو لا يدري يبخل على نفسه، قال تعالى يؤكد ذلك: «هَٰٓأَنتُمْ هَٰٓؤُلَآءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِۦ ۚ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِىُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمْثَٰلَكُم».
أخلاق الرسول
لكن إذا تتبعنا أخلاق نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم، وفعلنا مثلما كان يفعل، لأرحنا قلوبنا، ولحصلنا على ما نريد بمنتهى السهولة، ذلك أن الله لو أعطانا جميعنا كل ما نريد في وقت واحد ما نقص من ملكه شيء إلا كما يأخذ المخيط من الماء إذا وضعته في المحيط.
عن سيدنا أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر»، زاد الترمذي: «ذلك بأني جواد واجد ماجد أفعل ما أريد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردت إنما أقول له كن فيكون».
اقرأ أيضا:
كيف يكشف الشح عوراتك أمام الأخرين؟جزاء الكرم
فلو علم المسلم جزاء الكرم، لعاش عمره كله كريمًا، فيروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يومًا إلى السوق ومعه ثمانية دراهم، فإذا جارية على الطريق تبكي، فقال لها: ما يبكيك؟ فقالت: بعثني أهلي بدرهمين لأشتري بهما حاجة فأضللتهما. (أي ضيعتهما) فأعطاها درهمين ومضى بستة، فاشترى بأربعة قميصا، ولبسه وانصرف وإذا بشيخ من المسلمين ينادي: من كساني كساه الله من خضر الجنة، فبادر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى خلع القميص وألقاه عليه، ثم ذهب إلى السوق فاشترى بدرهمين قميصا فلبسه، وفي طريق عودته منه رأى الجارية؛ حيث تركها تبكي، قال لها: ما يبكيك؟ فقالت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، طالت غيبتي عن أهلي وأخشى عقوبتهم، فقال لها: الحقي بأهلك. وجعل يتبعها حتى أتت دور الأنصار، وإذا رجالهم غائبون وليس فيها إلا النساء، فقال: السلام عليكن ورحمة الله، فسمعته النساء فعرفنه ولم يسمع مجيباً ثم عاد الثانية ثم الثالثة رافعاً صوته، فقلن بأجمعهن: السلام عليك يا رسول الله ورحمته وبركاته. فقال عليه الصلاة والسلام: أما سمعتن ابتداء سلامي؟
فقلن: بلى، ولكننا أحببنا أن نكثر لأنفسنا وذرياتنا من بركة تسليمك.. فقال: جاريتكن هذه أبطأت عنكن وخشيت العقوبة فهبن لي عقوبتها.. فقلن: وهبنا لك عقوبتها وقد أعتقناها لممشاها معك، فهي حرة لوجه الله.. فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «ما رأيت ثمانية أعظم بركة من هذه الثمانية، أمن الله بها خائفًا، وكسا بها عاريين، وأعتق بها نسمة، وما من مسلم يكسو مسلمًا، إلا كان في حفظ الله ما دامت عليه منه رقعة».