الخشوع في الصلاة هو تحقُّق تذلُّل القلب، وخضوعه، وانكساره لله -سبحانه-، ومن ذلك قول الله -تعالى-: "خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَوبشكل أكثر تحديدا فعلي المصلّي التفاعل مع ما يقرؤه ويتلوه ويؤدّيه في الصلاة، فيشعر أنه في صلة مع الله -عز وجل- أثناء صلاته
جمهور الفقهاء كذلك عرف الخشوع بأنّه: قبول القلب للحقّ، والانقياد إليه، والخضوع له إن خالف هواه، وبخشوع القلب يتحقّق خشوع الأعضاء، والجوارح؛ إذ إنّها تتبع القلب، وبناءً على ما سبق فالقلب مَحلّ الخشوع، مع ظهور آثاره وعلاماته على الجوارح، ولا يتحقّق الخشوع إن لم يكن في القلب، وتجدر الإشارة إلى أنّ لفظة "الخشوع" وردت في القرآن الكريم مرتبطة بالصلاة، كما وردت مطلقة.
ومن الثابت التأكيد هنا أن لخشوع مسألة قلبية ومعناه استحضار عظمة الله سبحانه وتعالى ، والإنسان إذا لم يخشع في صلاته لا يشعر بحلاوة الصلاة, فتصبح عادة بدلا من أن تكون عبادة, فيسهل ترك العبادة عندما نغفل, عندما تشتد علينا الأمور, عندما ننشغل في مرض الولد, وذهاب الأولاد إلي المدارس, ودخول المواسم .. إلخ ، فالمشكلة هي تحويل العبادة إلي عادة,
تحويل العبادة الي عابدة كما اشرنا لا يشعرنا كذلك بلذة العبادة, ولا نشعر بلذة الصلاة إلا بكثرة الذكر خارج الصلاة .. لابد أن نذكر الله كثيرا خارج الصلاة {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" . وعلي ذلك علمنا النبي - ﷺ - ختم الصلاة, 33 سبحان الله, 33 الحمد لله, 33 الله أكبر, ونختم بـ" لا إله إلا الله".
وقد أجمع الفقهاء علي أن الخشوع في الصلاة يتطلب عددا من الطاعات منها الإكثار من ذكر الله كثيرا خارج الصلاة لكي تصلوا إلي الخشوع في الصلاة, وحتى تصلوا إلي لذة الصلاة, فإذا دخلت هذه اللذة القلب لا يمكن أن نترك أو نغفل عن الصلاة بعد ذلك .
لتحقيق الخشوع في الصلاة يجب أن تتحقق العديد من الشروط حضور القلب إنَّ الصَّلاة وإن كانت تبدو أنَّها أعمالُ جوارحٍ يقوم البدن بأعمالها، إلَّا أنَّها يجب أن تكون ابتداءً نابعةً من القلب، وأن يقف العبد بين يدي ربِّه بجسده وبقلبه، وأن يكون قلبه حاضراً لكلِّ قولٍ أو فعلٍ، ومدركاً لكلِّ آيةٍ يقرؤها في الصَّلاة، وفاهماً لكلِّ حركةٍ وسكنةٍ فيها.
ولتحقيق هذا الخشوع في الصلاة علي المؤمن أن يستشعر أنَّه بحاجة إلي خالقه، فيتجلَّى من خشوعه إقراره بربويَّة الخالق وألوهيَّته، والخشوع يكون في القلب، ويظهر أثره على الجوارح، فتكون صلاة العبد كاملةً مقبولةً بإذن الله –تعالى
ومن شروط تحقيق الخشوع في الصلاة استحضار الوقوف بين يدي الله إنَّ ممَّا يعين المسلم على الخشوع في صلاته أن يتذكَّر أنَّه بين يدي خالقٍ عظيمٍ، فبمجرَّد رفع المصلِّي يديه لتكبيرة الإحرام وجب أن يستحضر الخضوع والإذعان والاستلام التامَّ لله -تعالى-، فيترك كلُّ ما يشغل قلبه من أمور الدُّنيا فهو في حضرة الخالق العظيم
ومن الواجب على العبد المؤمن كذلك عند وقوفه للصَّلاة أن يتذكَّر أنَّه لو كان بين رجلٍ ذا شأنٍ في الدُّنيا أو أمام ملكٍ من ملوك الأرض فإنَّه يقف بكلِّ تذلُّلٍ، فكيف تسوِّل له نفسه أن يقف بين ملك الملوك وهو غائب الذِّهن شارد العقل.
الصلاة علي وقتها من أهم شروط الخشوع في الصلاة فحرص المصلِّي على إقامة الصَّلاة على أتمِّ وجهٍ وحرصه على المسارعة لأدائها في أوَّل وقتها؛ مُعينٌ له على الخشوع في الصَّلاة والتَّدبُّر فيها؛ لأنَّ الصَّلاة في وقتها علامةٌ على محبَّة العبد لله -تعالى- ومسارعته للقائه والاتِّصال به، في حين أنَّ من يتركها إلى آخر وقتها منشغلاً في دنياه، فلا يدلُّ ذلك إلَّا على غفلةٍ عظيمةٍ، وإنَّ المعجِّل في أداء صلاته لينال بذلك أجوراً عظيمة من أجر الصَّلاة على وقتها، إلى أجر الخشوع فيها.
ولا ينبغي هنا تجاهل أن تدبر القرآن في الصلاة ممَّا يجلب الخشوع في الصَّلاة ويُعين على ذلك التَّدبُّر العميق لآيات القرآن الكريم؛ من آيات سورة الفاتحة، وآيات السُّور التي تُقرأ بعدها، وذلك عندما يتمعَّن المسلم معنى كلِّ آيةٍ يمرُّ بها، فيمرُّ بآيات الوعيد وآيات الجزاء، وقصص الأنبياء، وآيات تنزيه الخالق، وغيرها، فتترسَّخ في قلبه معاني جليلة وقيم نبيلة. وقد حثَّ الله -تعالى- على وجوب فهم آيات القرآن والتَّدبُّر فيها بعمق في مواضع كثيرة سواءً في الصّلاة أو في خارجها، قال الله -تعالى-: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً).
ومن المعينات علي الخشوع في الصلاة كذلك حرص المصلِّي إضافة لتدبُّر الآيات أن يحاول جاهداً على ترتيل الآيات وتجويدها، والتَّوقُّف عند كلِّ ما يزيد من الخشوع، كأدائه سجدة التّلاوة وما شابه. التأني في الصلاة تعدُّ الطَّمأنينة في الصَّلاة شرطاً لصحَّة قبول الصَّلاة، ويراد بها أن يتمهَّل في أدائها، وأن يعطي كلَّ ركنٍ حقَّه، فيقف مطمئناً في وقوفه، ويركع مطمئناً في ركوعه، ويسجد مطمئناً في سجوده، والطَّمأنينة في الصَّلاة و السُّكون والتَّأنِّي فيها سببٌ رئيسيٌ للخشوع في الصَّلاة، بينما العجلة في الصَّلاة تكون سبباً في ذهاب الخشوع وإفساد الصَّلاة، فلا يدري المصلِّي كيف صلَّى، وكم صلَّى، وماذا قرأ فيها.
] وقد نهى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في هذا السياق بعض أصحابه عندما رآه مسرعاً فيها فطلب منه أن يرجع ليصلِّيها مرَّةً أخرى، كما نهى عن ذلك في قوله: (تِلكَ صَلَاةُ المُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حتَّى إذَا كَانَتْ بيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا" بل أن الرسول شبه المسرع في صلاته كأنَّه ينقرها نقر الدِّيك، ولا يتأنَّى في ذكر الله فيها ويعطيها حقَّها.
ومن المهم كذلك التضرع إلي الله سؤال الخشوع في الصلاة إنَّ ممَّا لا يجهله المسلم أنَّ الدُّعاء مشروعٌ للمسلم ليطلب من الله -تعالى- العون في سائر أموره الدُّنيويَّة والأخرويَّة، ومن ذلك يستحبُّ للمسلم أن يلهج إلى الله -تعالى- بالدُّعاء الخالص على أن يعينه على الخشوع في الصَّلاة، وعلى تأديتها بشكلٍ صحيحٍ دون نقصٍ فيها، وأن يثبِّت قلبه على ذلك؛ لأنَّ قلب الإنسان يتقلَّب بين لحظةٍ وأُخرى، وهذا ما يجعله يتشتَّت ويلهو عن صلاته، فإذا دعا بذلك لا بدَّ أن يوقن من الإجابة، فإنّ الله قريب من عباده مجيبٌ لهم
اقرأ أيضا:
أعظم وصية نبوية..وسيلة سهلة لدخول الجنةولا يمكننا في هذا المقام الرفيع تجاهل الإشارة إلي أهمية ترك التحرك والالتفات إذا أراد المصلِّي أن تكون صلاته خاشعةً وجب عليه أن تسكن جوارحه، وأن يُقلِّل من الحركات التي ليست من أصل الصَّلاة، كقضم الأظافر وحكِّ الرأس وما شابه؛ لأنَّ السكون الجسديَّ مدعاةٌ للخشوع،كما أنَّ كثرة الحركة في الصَّلاة قد تبطلها؛ لأنَّ المصلِّي ابتعد عن مقصد الصَّلاة الأساسيِّ وهو التَّذلُّل بين يدي الخالق. تذكّر الموت كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يوصي أصحابه إذا أقبلوا على الصَّلاة أن يُؤدُّوها وكأنَّها الصَّلاة الأخيرة، وهذا سببٌ لجعل المصلِّي يزداد في تدبُّره في صلاته وإقباله على خالقه؛ لأنّ شعور المصلّي بدنوّ الموت واليوم الآخر يبثُّ في نفسه الخوف فيصلِّي صلاته وكأنَّه يودِّع الدُّنيا فيها
وكذلك أجمع العلماء علي أهمية السكينة ، وقراءة القرآن أية أيه ، والتسبيح ببطء، والنظر عند موطن السجود ، عدم الحركة الكثيرة في الصلاة ، عدم الصلاة على سجادة مزخرفة كشروط مهمة لتحقيق الخشوع في الصلاة