يسأل أحدهم (هل من العبث أن نولد مسلمين وغيرنا دون ذلك؟)، فمما لا شك فيه أن أعظم نعمة ينعمها الله على عباده أن يولد لأبوين مسلمين، ويعيش مسلمًا، ويموت مسلمًا ، وهذا من فضل الله تعالى حيث لم يحتج أن يبحث ذلك المُنعم عليه بين الأديان ليتعرف على الدين الصحيح الذي يحبه الله ويرضاه ولا يرضى غيره.
وليس للعبد هذا كسب في هذا الفضل بل هي منَّة خالصة من الله تعالى ربه، ولا يعني هذا أن كل من وُلد لأبوين مسلمين أنه عرف قدر هذه النعمة وعمل على شكرها ، بل رأينا الكثير الكثير ممن كفر هذه النعمة ولم يستفد شيئا من كونه فتح عينيه على الدنيا ليرى الإسلام والمسجد وفتح أذنيه على سماع كلمة التوحيد.
الفطرة هي الإسلام
أيضًا يجب على الإنسان أن يعي جيدًا أن الله عز وجل يخلق الناس على الفطرة، والفطرة لاشك هي الإسلام، إلا أن أبواه يغيران ذلك بإرادتهما، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء»، ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه قوله تعالى: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» (الروم 30)، ومن ثمّ فإن هذا الحديث صريح في أن كل مولود يولد مسلمًا، فإذا كان أبواه غير مسلمين، فإن أطاعهما فيما يدعوانه إليه من يهودية أو نصرانية أو مجوسية خرج عن الفطرة إلى ما يدعوانه إليه ويربيانه عليه، وإن هداه الله إلى الإسلام، فهو مسلم باقٍ على الفطرة التي فطره الله عليها.
اقرأ أيضا:
هؤلاء اشتروا آخرتهم بدنياهم فكسبوا الدنيا والآخرة.. التجارة مع الله لا تخسر أبدًا هذه فضائلهاالكل يولد مسلم
إذن عزيزي السائل، فالكل ولد لاشك مسلمًا، ومن ثمّ فإن السؤال بأن (غيرنا لم يُخلق مسلمًا) غير صحيح، لأن الله تعالى خلق البشر كلهم وفطرهم على التوحيد والإسلام له سبحانه، فما من مولود إلا ويولد على الفطرة، ثم بعد ذلك منهم من يبقى على فطرته.
ومنهم من تحرفه شياطين الإنس والجن عن فطرته السوية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: «إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا»، وهو سبحانه لا يؤاخذ أحدا ولا يعذبه إلا بعد قيام هذه الحجة عليه، كما قال تعالى: «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً {الإسراء: 15}. وقال عز وجل: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ» (التوبة:115).