عزيزي المسلم، إياك أن تظن أن الباطل سينتصر يومًا، مهما طال الليل، وعمّ الظلام، فمن ظن أن الباطل سينتصر على الحق فقد أساء الظن بالله، لكن علينا أولا أن نميز الحق من الباطل حتى لا يختلط علينا الحق بالباطل، وقد يطول انتظارنا لنصرة الله للحق ونفاجأ بأن الله نصر الباطل.
الله نصر الحق الذي يعلم الله أنه حق ولم ينصر الحق الذي هو في أذهاننا أنه حق ، فالذهن قد يرى الأشياء على غير حقيقتها فيظن الحق باطلا والباطل حقًا، لذلك من دعاء الصالحين (اللهم أرنا الحق حقًا وأرنا الباطل باطلا)، فالحق الذي يريده الله عز وجل دومًا هو التوحيد والرسالة المحمدية، لذلك قال الله تعالى: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» (التوبة: 33).
التدافع بين الحق والباطل
لاشك أن التدافع بين الحق والباطل، سنة الحياة الدنيا، إلا أن نصر الله للحق واقع لا محالة، وهو ما يجب على كل مسلم أن يؤمن به يقينًا، فهذه حقيقة، والحقيقة الأخرى التي ينبغي أن تفقه وتدرك، هو أن الله جل جلاله جعل من سنن الحياة البشرية التي لا تتخلف سنة التدافع، التي أوضحها سبحانه في كتابه فقال: «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ» 0البقرة:251).
وقال سبحانه أيضًا: «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ» (الحج:40)، ومن ثمّ على كل مسلم أن يؤمن بأن نصر الحق قاد لا محالة مهما تأخر الوقت، وظن أهل الباطل أنهم ملئوا الكون جورًا وظلمًا، وأنها دامت لهم.
اقرأ أيضا:
هؤلاء اشتروا آخرتهم بدنياهم فكسبوا الدنيا والآخرة.. التجارة مع الله لا تخسر أبدًا هذه فضائلهامشيئة الله
أيضًا على كل مسلم أن يعي جيدًا، أن الاختلاف من سنن الحياة، فمحاولة جمع البشر جميعًا على مذهب واحد وسياسة واحدة ونظام واحد، غير ممكن ولا واقع، لأن الله جل وعلا لم يشأ ذلك، ولم يرده كونا وقدرًا، كما قال سبحانه: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (هود:118-119)، فلولا أن الله سبحانه وتعالى يدفع أهل الباطل بأهل الحق، وأهل الفساد بأهل الصلاح والإصلاح، وأهل الظلم بأهل العدل فيها لغلب أهل الباطل والإفساد في الأرض وطغوا على الصالحين.
وإذا انفرد الطغاة بالسيطرة فسدت الأرض، وأسنت الحياة بالظلم والشرك وعمل المعاصي، لذلك على المسلم ألا ييأس من الانتظار، فقط يضع في قلبه اليقين بأن النصر قادم لا شك في ذلك.
عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: "شكَوْنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّدٌ بردةً له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصرُ لنا، ألا تدعو الله لنا، قال: «كان الرجلُ في من قبلكم يُحفَرُ له في الأرض، فيُجعل فيه، فيُجاء بالمنشار، فيُوضَع على رأسِه، فيُشقُّ باثنتين، وما يصدُّه ذلك عن دينِه، ويُمشَط بأمشاطِ الحديد ما دون لحمِه من عَظْم أو عصَب، وما يصدُّه ذلك عن دينِه، والله ليُتمنَّ هذا الأمرَ حتى يسيرَ الراكبُ من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا اللهَ أو الذئبَ على غنمِه، ولكنكم تستعجلون».