لقد شهد العالم خلال الفترات القريبة الماضية فترات من المِحَن والأزمات ، ولا تزال فصول المشاهدة موصولة ، مما أضفى على الحياة ملامح القسوة ، وتسربت إلى النفوس موارد اليأس ، مما يجعل الإنسان يبحث عن أطواق النجاة التى تساعده في تحقيق التماسك الداخلي ليواصل مسيرته في ظل استقرار شعوري يصل بيده إلى السكينة والسلام الداخلي ، ويورثه قدرة على تخطي حواجز الزمن المستقبلي . لقد جاءت الأديان السماوية بمناهج نفسية تعالج الاضطراب الإنساني الداخلي وتحميه من الشطط في أوقات الشدائد التى يمكن أن تأخذه إلى منحنى المجهول . وكما أن الأديان كان لها دور فاعل كذلك فإن المدارس الفلسفية أسهمت بنصيب وافر في البناء النفسي على أسس من الصحة والسلامة ، ويضرب لنا التاريخ الفلسفي مثلا بالمدرسة الرواقية التى كانت عكس كثير من المدارس الفلسفية الأخرى، فلم يشغل فلاسفتها أنفسهم كثيرا بالأسئلة الكبرى، ولم يكتبوا مجلدات يحاولون فيها استبطان أصل الوجود ومآله، ولا بحثوا عن المغزى من وراء وجود الشرور، ولا أثاروا الجدل حول طبيعة خلق العالم، كان الهدف من وراء فلسفتهم الحصول عن إجابة لسؤال: كيف للمرء أن يعيش حياته بالشكل الأمثل؟ ، وها ما تميزت به تلك المدرسة عن باقي المدارس الفلسفية ، فعلى سبيل المثال جعل أرسطو الفضيلة أكبر شيء قيمة، ولكنه مع هذا جعل للمال والظروف والأشياء التي حولنا قيمة في الحياة، أما الرواقيون فكانوا على مبدأ الفضيلة ثابتون ، وشعارهم : لا خير في الوجود إلا الفضيلة، ولا شر إلا الرذيلة، وما عداهما فشيء تافه لا قيمة له، بل إنهم كانت لهم رؤى ذات إلهام ديني حينما أقروا بأن الفقر والمرض والألم والموت ليست شرورًا، وأن الغنى والصحة واللذة والحياة ليست طيبات، وأن السعادة الحقة في الفضيلة، وأن حرص الإنسان على الفضيلة ليس بهدف الوصول إلى اللذة ، ولكن لأن الواجب هو الحرص على الفضيلة ، وأنه ليس هناك درجات للفضائل ولا للرذائل، فكل الفضائل خير ومتساوية في الخير، وكذلك الرذائل. تلك الفضائل التى جاءت بها الشرائع ودشنها الفلاسفة في كتبهم تحتاج إلى إعادة بعثها في شؤون الحياة الإنسانية حتى تستقيم سلوك أفرادها على مناهج الفضيلة فتختفى أسس الاحتكار والغش ومسالب الطباع التى لم يرث العالم منها سوى الصراعات البغيضة التى تهدد استمرار الحياة وتنقلها إلى عالم الفناء ، وتأخذ بالإنسان إلى محطات من الصراع الداخلي تساعد في تسريع وتيرة إنهاء حياته نتيجة القلق والاضطراب بسبب المجهول .