البعض قد لا يفهم معاني القرآن الكريم بشكل صحيح، فترى من يتسرعون في فهم بعض الآيات أو الأحكام التي يتضمنها هذا الكتاب المعظم، لكن بعد فترة حينما يعي الأمر جيدًا يعود لرشده، قال تعالى : «رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ» (البقرة من الآية:129)، وقال أيضًا سبحانه وتعالى: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» (النحل 44).
ذلك أن تلاوة كتاب الله تعالى، تعني شيئًا آخر غير المرور بكلماته بصوت أو بغير صوت، إنها تعني تلاوته بفهم وتدبر ينتهي إلى إدراك وتأثر، وإلى عمل بعد ذلك وسلوك، فما أجمل العمل أن يكون مرتبطًا بهم ووعي وإدراك لمعاني القرآن الكريم.
مثل الجنة
ويروى أن الدكتور مصطفى محمود رحمه الله، كان يقرأ قوله تعالى وهو لازال شابًا: «مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ» (محمد 15)، فتوقف أمام الكلام كثيرًا، ورأى أنه ليس بالأمر الصحيح أن يفعل كل ما يطلب منه الشرع مقابل (شوية لبن وخمر وعسل)، فكانت النتيجة أن هجر القرآن لسنوات، وانغمس في الحياة المادية ..
ولكن بعد نحو عشرين سنة، وحينما تعب من حياته، عادة إلى القرآن وقرأ نفس الآية - وعلى حد وصفه - أنه قرأ كلمة لو أخد باله منها من عشرين سنة لم يكن قد دخل الطريق الذي سار فيه أبدًا.. هذه الكلمة هي " مثل "، ذلك أن الله عز وجل ضرب مثلاً بأشياء نعرفها جميعًا وليس أكثر، حتى يُقرب لنا الصورة، لكن الجنة فيها ما لم يخطر على قلب بشر بكل تأكيد.
اقرأ أيضا:
معركة حاسمة أبقت المسلمين في الأندلس لقرنين ونصف.. تعرف عليها!هنا الفرق
إذن الفرق هو أن الدكتور مصطفى محمود قرأ نفس الآية بعين مختلفة في المرة الثانية عن الأولى، ورأى ما لم يكن قد رآه في المرة الأولى، خصوصًا أنه في المرة الثانية كان يقرأ وروحه متلهفة على القراءة، ومستعد للفهم، بينما في المرة الأولى لم يكن مستعدًا لذلك أبدًا، وكان يقرأ بتعالي وتكبر، فلم يوفقه الله للوقوف على كلمة بسيطة تحمل كل إجابات اللغز، وهي كلمة (مثل).
ولهذا فقد ضل الطريق في البداية، وهذا حال كل إنسان يلجأ إلى القرآن بتكبر، فلو أنه قرأ بتمعن وطمعًا في كرم الله أن يوفقه لما فيه الخير من خلال الكلمات، لاستنبط ما لم يستنبطه غيره ولو كان هو لا يحمل أي شهادات، وكان غيره يحمل عشرات الدكتوراه.