طباع الناس تختلف فمنهم من يرضى بالدون، ومنهم من يسعى أكثر، ومنهم من يجاهد نفسه لإدراك المعالي ويتحمل الأذى.. غير أنه على المؤمن أن يعيش في الدنيا وهو يطلب الآخرة فتعلو بذلك همته ولا يسفل نفسه ويجعلها تقف عند الدنيا وتتعارك من أجلها.
معنى علو الهمة:
إن علو الهمة منقبة وفضيلة ليست لكل أحد لكن المسلم مأمور بتحسين سعيه للآخرة وألا يركن للدنيا وزخرفها كما لا يركن إلى الذين ظلموا.
وعلو الهمة معناه " استصغار ما دون النهاية من معالى الأمور" .. بمعنى أن يطلب المرء من كل أمر أعلاه وأقصاه، ويستصغر كل ما وصل إليه إن كان هناك ما هو فوقه أو أعلى منه.
وقيل: "هو خروج النفس إلى غاية الكمال الممكن في العلم والعمل".
وقد فسر ابن الجوزي ذلك في صيد خاطره بقوله: "ينبغي لمن له أنفة أن يأنف التقصير الممكن دفعه عن النفس، فلو كانت النبوة ـ مثلا ـ تأتي بالكسب لم يجز له أن يرضى بالولاية، أو تصور أن يكون خليفة لم يقنع بإمارة، ولو صح أن يكون ملَكا لم يرض أن يكون بشرا، والمقصود أن ينتهي بالنفس إلى كمالها الممكن في العلم والعمل.
وصايا نبوية بعلو الهمة:
وقد أوصانا رسولنا صلى الله عليه وسلم بعلو الهمة فالله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها " [رواه الطبراني]. وما أكثر ما يوصي - صلى الله عليه وسلم- المسلم بالحرص على ما ينفعه والاستعاذة من العجز والكسل.
كما كان عمرو بن العاص يقول: "عليكم بكل أمرٍ مَزْلَقَةٍ مَهْلَكَةٍ " يعني عليكم بجسام الأمور وعظيمها.
ولا شك أن المسلم كما الإنسان بصفة عامة لديه قدرات هائلة يممن اغتنامها لو أرداد فلم يعطل طاقاته ويرضى بالدون من السعي ويركن إلى الخمول؟!
بل عليه أن يزيل عنها غبار التقصير والكسل، يقول أحد الصالحين: "همتك فاحفظها؛ فإن الهمة مقدمة الأشياء؛ فمن صلحت همته وصدق فيها صلح له ما وراء ذلك من العمل".
وعلامة كمال العقل ورجحانه علو همة صاحبه.. يقول ابن الجوزي: "من علامة كمال العقل علو الهمة، والراضي بالدون دنيء
ولم أر في عيوب الناس عيبا .. .. كنقص القادرين على التمام".
كيف تعلو بهمتك؟
ومن أفضل الوسائل لاكتساب علو الهمة هو طلب المدد من الله تعالى بان يخلصك له ويجعل سعيك للخرة وان تسعى انت لذلك قال تعالى : (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (الاسراء:19)
أيضا أن تشغل نفسك بما يعود عليك بالنفع في أخراك يقول صلى الله عليه وسلم: "من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة". (صحيح ابن ماجه).
وهذا يتطلب مطالعة ومصاحبة ومدارسة أخبار الصالحين من السلف الصالح ومن سار على نهجهم والوقوف على أحوالهم ليسهل عليك الاتباع.
علو همة الرسول:
ولا شك ان رسولنا الكريم كان أكثر الناس طلبا للآخرة فهو لا يرضى بالدون من السعي بل لم ترض همته مجرد دخول الجنة لا بل يريد أن ينادى عليه من أبوابها كلها كما ورد في صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم: (من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان فقال أبو بكر رضي الله عنه هل على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها قال نعم وأرجو أن تكون منهم).