كثير ممن يذنبون، يضعون أمام توبته جبالاً من التبريرات أو المصاعب التي تبعده عن العودة إلى الله عز وجل، وهو ينسى أو يتناسى أو لا يأخذ باله من أن الله عز وجل ينتظره في كل مرة يذنب، بأن يعود له من فوره تائبًا مستغفرًا.
عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: قال الله تبارك وتعالى في حديثه القدسي: « يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ».. إذن عزيزي المسلم، مهما جنيت على نفسك بالمعاصي.. فلا تخشى التوبة، أتظن أنك أظلم من إبليس ؟.
دعاء إبليس
عزيزي المسلم، أفلا تعلم أن الله عز وجل استجاب دعاء إبليس نفسه، فكيف لا يستجيب دعاءك أنت؟.. قال إبليس: «قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ »، فاستجاب له ربه وقال «قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ »، ومن ثمّ جل الفكرة تدور حول أنك تفهم فلسفة استجابة الدعاء، فالله عز وجل يستجيب للدعاء الذي في صالحك فقط.
عن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم قال « ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن تعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها . قالوا إذن نكثر . قال الله أكثر ».. وفي رواية في حديث أبي هريرة « ما من مؤمن ينصب وجهه إلى الله تعالى يسأله إلا أعطاه إياها إما أن يجعلها له في الدنيا ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ما لم يعجل ، قالوا وما عجلته ؟ قال يقول دعوت الله عز وجل فلا أراه يستجاب لي»، إذن فالكل مستجاب له بطريقة أو بأخرى.
اقرأ أيضا:
كيف يكشف الشح عوراتك أمام الأخرين؟سيقبلك فلا تجزع
عزيزي المسلم، تيقن أن الله عز وجل سيقبلك فلا تجزع، ولا تتردد في التوبة، فإن الله تبارك وتعالى شرع لعباده التوبة من الذنوب، ووعدهم بمغفرتها، كما في قوله تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (الزمر:53)، والذنب الوحيد الذي لا يغفره الله عز وجل هو الشرك بالله إذا مات الإنسان عليه ولم يتب منه.
قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً» (النساء:48)، أما الذنوب دون الشرك بالله فيغفرها الله تعالى لمن تاب منها برحمته وفضله مهما عظمت وكثرت، والحمد لله على منِّه وإحسانه: «وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً» (الفرقان:71).