كان أول من اكتشف الشيخ محمد رفعت "قيثارة السماء"، والعديد من أعلام القرآن ومشاهير الغناء، يتميز بموهبة فذة في التلاوة والإنشاد، تتلمذ فيها كل من جاءوا بعده من القراء والمنشدين، واشتهر بأنه "سيد القراء"، و"إمام المنشدين".
وُلد الشيخ علي محمود في 6 فبراير عام 1878 بحارة درب الحجازي، كفر الزغاري التابع لقسم الجمالية بحي الحسين بالقاهرة، لأسرة فقيرة، وأصيب وهو صغير السن بحادث أودى ببصره كاملاً.
حفظ القرآن على يد الشيخ أبو هاشم الشبراوي بكتاب مسجد فاطمة أم الغلام بالجمالية، وتعلم منه أصول التجويد والأحكام منه وأخذ قراءته على يد الشيخ مبروك حسنين، ثم درس الفقه على يد الشيخ عبد القادر المزني، وذاع صيته بعد ذلك قارئًا كبيرًا وقرأ فى مسجد الحسين فكان قارئه الأشهر، وارتفع شأنه وصار حديث العامة والخاصة.
دراسة الموسيقى والمقامات الصوتية
درس بعد ذلك الموسيقى على يد الشيخ إبراهيم المغربي، وعرف أصول التلحين والعزف وحفظ الموشحات، ودرسها أيضًا على يد شيخ أرباب الأغانى محمد عبد الرحيم، كما درس تطورات الموسيقى على يد الشيخ التركى عثمان الموصلي الذى استفاد منه فى الاطلاع على الموسيقى التركية وخصائصها.
ما جعله أحد أشهر أعلام مصر قارئًا ومنشدًا ومطربًا، وبلغ من عبقريته أنه كان يؤذن للجمعة في الحسين كل أسبوع أذانًا على مقام موسيقي لا يكرره إلا بعد عام، وصار منشد مصر الأول الذي لا يعلى عليه في تطوير وابتكار الأساليب والأنغام والجوابات.
يقول الشيخ طه عبد الوهاب، خبير الأصوات والمقامات، إن "الشيخ علي محمود كان يؤذن كل آذان بمقام مختلف، وكان له فلسفة وفكر وراء ذلك، كان كفيفًا ويشعر بمن مثله، فكان يغير المقام لتعريفهم بماهية الأذان الحالي".
اظهار أخبار متعلقة
الشيخ محمد رفعت أشهر من اكتشفهم
من أشهر النوابغ الذين اكتشفهم الشيخ علي محمود، القارئ العملاق الشيخ محمد رفعت الذى استمع إليه سنة 1918، وتنبأ له بمستقبل باهر وبكى عندما عرف أنه ضرير.
وتعلم الشيخ رفعت فى بداياته كثيرًا من الشيخ على محمود، وصار سيد قراء مصر وصوت الإسلام الصادح فيما بعد، كما تعلم على يديه الشيخ العبقري طه الفشني الذى كان عضوًا فى بطانته وأخذ من خبرته الشىء العظيم، حتى صار سيد فن الإنشاد بعد الشيخ علي محمود، والشيخ كامل يوسف البهتيمى القارئ والمنشد المعروف، والشيخ محمد الفيومي والشيخ عبدالسميع بيومي وإمام الملحنين الشيخ زكريا أحمد الذي كان عضوًا في بطانة الشيخ على محمود، وتنبأ له بمستقبل باهر في عالم الموسيقى، والموسيقار محمد عبدالوهاب والمطربتين الراحلتين أم كلثوم وأسمهان.
وعندما عقد ملك مصر فؤاد الأول عام 1930 مؤتمرًا عربيًا لتوحيد المقامات الموسيقية، كان معظم حضوره من المشايخ المصريين، وعلى رأسهم الشيخ علي محمود.
أول تلاوة قرآنية بالإذاعة المصرية
وفي 3 يوليو عام 1939، كان الشيخ على محمود على موعد مع أول تلاوة قرآنية له بالإذاعة المصرية، كقارئ معتمد فيها، تضمنت تلاوته آنذاك سورة الفاتحة وما تيسر من سورة البقرة، وبلغ زمنها أربعين دقيقة، واعتمدته الإذاعة منذ ذلك اليوم قارئًا للقرآن مساء الاثنين من كل أسبوع.
وافتتح وقائع حفل أقيم بدار الأوبرا الملكية بالقاهرة في ذكرى عقد قران الملك فاروق والملكة فريدة، بعد عزف السلام الملكي بتلاوة قرآنية بلغ زمنها ربع الساعة، كما أنشد عقد قران ولي عهد إيران وشقيقة الملك فاروق، فسجل الشيخ علي محمود حضوره في المناسبات الملكية الدينية.
ترك الشيخ علي محمود، عددًا من التسجيلات القرآنية في الإذاعة المصرية، موجودة حتى الآن وهي موجودة حتى الآن، من سور "الأنفال، ويوسف، ومريم، والكهف، والأنبياء"، وغيرهم من الأناشيد والموشحات والأغاني الخاصة به، والموجودة بالإذاعة المصرية ومنها: "أشرق فيومك ساطع بسام، وأدخل على قلبي المسرة والفرح، وخلياني ولوعتي وغرامي، والسعد أقبل".
وإضافة إلى الأعمال الخالدة السابق ذكرها، ظهر الشيخ علي محمود بصوته وصورته في بعض الأفلام المصرية القديمة وهو يتلو القرآن الكريم ويؤذن في بعض مشاهدها، كان أولها فيلم "أولاد مصر" عام 1933 من إنتاج وإخراج أحمد المشرقي، بالاشتراك مع فكري كامل وحنان رفعت ودولت محسن وإبراهيم حسنين وغيرهم، وكان يتلو القرآن في أحد المشاهد.
وتكرر الأمر في فيلم "الحل الأخير" عام 1937 للمخرج عبد الفتاح حسن، وبطولة سليمان نجيب وسراج منير وعباس فارس وراقية إبراهيم وأنور وجدي.
وقد توفي الشيخ علي محمود في 21 ديسمبر 1946، ونشرت جريدة "الأهرام" نعيًا له في صفحة الوفيات، حيث نعاه محمد الحفني الطرزي باشا، رئيس شرف رابطة القراء وجميع أعضائها، وكتب في نعي الرابطة أن أعضاءها "ينعون بمزيد من الأسف الأستاذ الشيخ علي محمود الرئيس الإداري، الذي اكتسب بدينه وخلقه محبة القلوب، فبفقده فقدت الرابطة بل الأمة المصرية عَلَمًا خفاقًا وبلبلاً صداحًا".