سنن الله في كونه… قوانين إلهية تحفظ انتظام الحياة وتكشف حكمة الخالق
بقلم |
فريق التحرير |
الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 - 06:09 م
في خضم صخب الحياة وتسارع الأحداث، يقف المتأمل في هذا الكون الفسيح مذهولًا أمام مشهد بالغ الدقة والتناغم؛ مشهد تحكمه قوانين ثابتة وضعها الخالق العظيم لضبط حركة الوجود. هذه القوانين التي اصطلح العلماء على تسميتها بـ سنن الله في الكون، ليست مجرد نظريات أو توقعات، بل ثوابت لا تتبدل ولا تتغير، تدل على حكمة الله وعدله ولطفه بخلقه.
سنن ثابتة لا تحابي أحدًا
تقوم السنن الإلهية على مبدأ راسخ: النتائج تُبنى على المقدمات. فلا نجاح بلا عمل، ولا ارتقاء بلا تعب، ولا هلاك بلا أسباب. قال تعالى: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾.
فالكون كله يسير وفق نظام محكم؛ الشمس تشرق من مشرق واحد، والفصول تتعاقب بانتظام، والحياة تتجدد وفق قوانين لا تتخلف.
سنّة الأخذ بالأسباب
من أعظم السنن التي قررها الشرع والواقع معًا، سنّة الأخذ بالأسباب. فالطير لا يبقى في عشه منتظرًا رزقه، بل يخرج مبكرًا يسعى، كما أخبر النبي ﷺ: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصًا وتروح بطانًا».
وهكذا المسلم؛ لا يكتفي بالأماني، ولا يركن للتواكل، بل يجعل السعي والعمل منهج حياة.
سنّة الابتلاء… طريق التمحيص ورفع الدرجات
من السنن الواضحة التي لا تخفى على أحد، سنة الابتلاء. فالحياة ليست مسرحًا للراحة، بل ميدان اختبار. قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾.
فالابتلاء ليس عقابًا دائمًا، بل قد يكون رفعة، وتعليمًا، وتمحيصًا لنفوس المؤمنين.
سنّة التداول بين الأيام
لا تدوم القوة لأحد، ولا يستمر الضعف إلى الأبد. فالأيام دول. قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾.
وهذه السنّة تجعل الإنسان أكثر تواضعًا، وتبعث الأمل في قلوب الضعفاء، وتذكّر الأقوياء بأن دوام الحال من المحال.
سنّة العدل الإلهي
من أبلغ السنن التي يشعر بها الإنسان في تفاصيل الحياة، سنة العدل الإلهي.
فالظلم لا يدوم، والطغيان مهما اشتدّ زواله قريب، وحق المظلوم محفوظ عند الله.
وقد قال رسول الله ﷺ: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته».
سنّة التغيير… البداية من الداخل
من أعظم السنن التي تبعث الأمل في النفوس، سنة التغيير التي تبدأ من داخل الإنسان قبل خارجه. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾.
فمن أراد النجاح فليُغيّر عاداته، ومن أراد الإصلاح فليبدأ بنفسه، ومن أراد نهضة أمته فليقدم عملاً حقيقيًا، لا مجرد شعارات.
سنن الله دعوة للتفكر والعمل
إن التأمل في هذه السنن يكشف لنا أن الدنيا ليست عبثًا، وأن حركة التاريخ ليست فوضى، وأن الإنسان ليس معزولًا عن قوانين الكون.
فالفهم العميق لسنن الله يزرع في النفس الطمأنينة، وفي القلب اليقين، وفي العقل الرشد والبصيرة.
إن سنن الله في كونه ليست مجرد دروس نظرية، بل هي منهج حياة يجب على الفرد والمجتمع فهمه ليعيش بانسجام مع قوانين الله في الأرض.
ومن سار وفق هذه السنن نال التوفيق، ومن أعرض عنها عاش في دوامة التخبط والضياع.