معلوم أن سيدنا عمر بن الخطاب كان كثيرا ما يستخدم درته في تأديب من يخالف.. هل صح أنه ضرب الرجل في المسجد حينما كان يقص على الناس قصص لم ترد؟
الجواب:
تؤكد لجنة الفتوى بـ"سؤال وجواب" أنه صح وجود القُصاص أيام
عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، إلا أنه نهاهم عن النقل عن أهل الكتاب ، وأمرهم ألا يكثروا منه حتى لا ينشغل الناس عن الوحي ، وحثهم على الاقتصار على قصص القرآن ، وخاصة أحسن القصص ، قصة يوسف الصديق ، وحذرهم من العُجب ، ورؤية النفس ، وضرب من خالف ذلك . فإن وُجد قاص على علم ، يقص على الناس ما صح من أخبار الماضين ، ليأخذ الناسُ منه العظة والعبرة ، ونأى بنفسه عن الإسرائيليات، وما لم يصح سنده ، ولم يكثر على الناس : فلا بأس بذلك إن شاء الله، وما زال الناس يحتاجون إلى من يذكرهم، ويعظهم، ويرقق قلوبهم.
وأضافت، أما بالنسبة لمحل السؤال : فهذا السياق الذي أورده السائل ملفق من عدة روايات مبتورة ومتداخلة متنا وسندا
وَإِنَّمَا كره بعض السّلف الْقَصَص لأحد سِتَّة أَشْيَاء:
أَحدهَا : أَن الْقَوْم كَانُوا على الِاقْتِدَاء والاتباع ، فَكَانُوا إِذا رَأَوْا مَا لم يكن على عهد رَسُول الله أنكروه، حَتَّى إن أَبَا بكر وَعمر لما أَرَادَا جمع الْقُرْآن قَالَ زيد: أتفعلان شَيْئا لم يَفْعَله رَسُول الله؟ .
وَالثَّانِي : أَن الْقَصَص لأخبار الْمُتَقَدِّمين تندر صِحَّته ، خُصُوصا مَا ينْقل عَن بني إِسْرَائِيل ، وَفِي شرعنا غنية . وَقد جَاءَ عمر بن الْخطاب بِكَلِمَات من التَّوْرَاة إِلَى رَسُول الله ، فَقَالَ لَهُ: أمطها عَنْك يَا عمر! خُصُوصا إِذْ قد علم مَا فِي الْإسْرَائِيلِيات من الْمحَال ، كَمَا يذكرُونَ أَن دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَام بعث أوريا حَتَّى قتل وَتزَوج امْرَأَته ، وَأَن يُوسُف حل سراويله عِنْد زليخا . وَمثل هَذَا محَال تتنزه الْأَنْبِيَاء عَنهُ ، فَإِذا سَمعه الْجَاهِل، هَانَتْ عِنْده الْمعاصِي، وَقَالَ: لَيست معصيتي بعجب.
وَالثَّالِث : أَن التشاغل بذلك يشغل عَن المهم من قِرَاءَة الْقُرْآن، وَرِوَايَة الحَدِيث، والتفقه فِي الدّين.
وَالرَّابِع : أَن فِي الْقُرْآن من الْقَصَص، وَفِي السّنة من العظة مَا يَكْفِي عَن غَيره مِمَّا لَا تُتيقن صِحَّته.
وَالْخَامِس : أَن أَقْوَامًا مِمَّن يُدْخِل فِي الدّين مَا لَيْسَ مِنْهُ، قصوا ، فأدخلوا فِي قصصهم مَا يفْسد قُلُوب الْعَوام .
وَالسَّادِس : أَن عُمُوم الْقصاص لَا يتحرون الصَّوَاب ، وَلَا يحترزون من الْخَطَأ، لقلَّة علمهمْ وتقواهم .
فَلهَذَا كره الْقَصَص من كرهه .
فَأَما إِذا وعظ الْعَالم ، وقَص من يعرف الصَّحِيح من الْفَاسِد ؛ فَلَا كَرَاهَة ".
وخلاصة القول :
أنه لو جلس رجل يقص ما هو معروف من أخبار المتقدمين السابقين ، ولم يخالف أصول الشريعة ، ولم يشغل الناس بذلك عن الوحي بحيث لا يكثر عليهم منه ؛ كان ذلك حسنا ونافعا إن شاء الله .
وقد نقل ابن الجوزي عن الإمام أحمد استحبابه لذلك ، كما في "القصاص والمذكرين" (16) ، فقال :" وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْصُورُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُسْأَلُ عَنِ الْقَاصِّ؟ فَقَالَ: إِذَنْ مَا أَحْوَجَ النَّاسَ إِلَى قَاصٍّ صِدْقٍ . قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: يُعْجِبُنِي أَمْرُ الْقُصَّاصِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْمِيزَانَ وَعَذَاب الْقَبْر . قلت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَتَرَى الذَّهَابَ إِلَيْهِمْ؟ قَالَ: إِي لَعَمْرِي إِذَا كَانَ صَدُوقًا ، لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْمِيزَانَ وَعَذَابَ الْقَبْرِ .
قَالَ: وَشَكَا رَجُلٌ إِلَى أبي عبد الله الوسوسة . فَقَالَ: عَلَيْك بِالْقصاصِ . مَا أَنْفَعَ مُجَالَسَتَهُمْ .
قَالَ الْخَلَّالُ: وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَكَرِيَّا التَّمَّارُ ، سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: أَنَا يُعْجِبُنِي الْقَاصُّ فِي هَذَا الزَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ الشَّفَاعَةَ وَالصِّرَاطَ ". انتهى.
والخلاصة :
أنه صح وجود القُصاص أيام عمر رضي الله عنه ، إلا أنه نهاهم عن النقل عن أهل الكتاب ، وأمرهم ألا يكثروا منه حتى لا ينشغل الناس عن الوحي ، وحثهم على الاقتصار على قصص القرآن ، وخاصة أحسن القصص ، قصة يوسف الصديق ، وحذرهم من العُجب ، ورؤية النفس ، وضرب من خالف ذلك .
فإن وُجد قاص على علم ، يقص على الناس ما صح من أخبار الماضين ، ليأخذ الناسُ منه العظة والعبرة ، ونأى بنفسه عن الإسرائيليات، وما لم يصح سنده ، ولم يكثر على الناس : فلا بأس بذلك إن شاء الله، وما زال الناس يحتاجون إلى من يذكرهم، ويعظهم، ويرقق قلوبهم.