الصحابي الأنصاري الجليل أسيد بن حضير كان من وجهاء قبيلة الأوس ووكان يحظي بالاحترام والتقدير من بني جلدته حتي نصبوه زعيما للأوس في المدينة قبل إسلامه.. وسار الصحابي الجليل علي نفس درب والده الذي كان من أبرز أشراف العرب في الجاهلية ومن مقاتليهم الأشداء وقد ورث المكارم كابرا عن كابر وكان صاحب فكر صاف وشخصية مستقيمة قوية وناصعة ورأي ثاقب وهو سبب نزول آية التيمم كما ستتطرق لذلك بالتفصيل .
الصحابي الجليل اسيد بن حضير كان قبل اعتناقه الإسلام واحدا من زعماء المدينة وأشراف العرب، ورماتها الأفذاذ.. فلما لين الله قلبه للدين الحنيف تجاهل كل هذه المناقب وبذل كل ما يملك لنصرة الدين الحنيف حيث خلف جانبا عزه. وتسامى شرفه، يوم أخذ مكانه، وأخذ واحدا من أنصار الله وأنصار رسوله، ومن السابقين إلى الإسلام العظيم.

من هو أسيد بن حضير ؟

أسيد بن حصير اعتنق الإسلام قبل هجرة الرسول وتحديدا وعندما أرسل سفير الإسلام الأول الصحابي الجليل مصعب بن عمير ليعلم أهل يثرب مبادئ الدين الحنيف خصوصا من بايعوا الرسول في بيعة العقبة الأولي و يومئذ، جلس أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ، وكانا كبيرين لقوامهما يتشاوران في أمر هذا الغريب الذي جاء من مكة يسفّه دينهما، ويدعو اى دين جديد لا يعرفونه..

وفي هذه الأجواء تبني الصحابي الجليل سعد بن معاذ زمام المبادرة موجها حديثه لأسيد:" انطلق الى هذا الرجل فازجره".. وحمل أسيد حربته، وأغذ السير إلى حيث كان مصعب في ضيافة أسعد بن زرارة من زعماء المدينة الذين سبقوا الى الإسلام.

اظهار أخبار متعلقة

ولدي وصول مجلس مصعب وأسعد بن زرارة رأى أسيد جمهرة من الناس تصغي في اهتمام للكلمات الرشيدة التي يدعوهم بها الى الله، مصعب بن عمير.. وفجأهم أسيد بغضبه وثورته.. وقال له مصعب: " هل لك في أن تجلس فتسمع.. فان رضيت أمرنا قبلته، وإن كرهته، كففنا عنك ما تكره"..؟؟
وقد يكون سفير رسول الرسول قد لمح بحدسه ما يمتلكه اسيد من استنارة العقل وشدة الذكاء حيث كان يلقب بالكامل من بني قومه وهو لقب كان يحمله أبوه من قبله.. فلما رأى مصعبا يحتكم به إلى المنطق والعقل، غرس حربته في الأرض، وقال لمصعب: لقد أنصفت: هات ما عندك.. وراح مصعب يقرأ عليه من القرآن، ويفسّر له دعوة الدين الجديد.

سفير الإسلام وشرح مناقب الدين الحنيف لأسيد 

وأخذ سفير الرسول  يشرح مناقب الدين الجديد بالقول : الدين الحق الذي أمر محمد عليه الصلاة والسلام بتبليغه ونشر رايته وهو ما تعاطي معه اسيد بشكل إيجابي دفع من حضروا هذا المجلس للقول : " والله لقد عرفنا في وجه أسيد الإسلام قبل أن يتكلم.. عرفناه في إشراقه وتسهّله"..!!
تعاطي أسيد بارتياح مع كلام سفير الرسول دفع الأخير للاستمرار في الحديث عن الإسلام وهنا قاطعه أسيد : " ما أحسن هذا الكلام وأجمله.. كيف تصنعون اذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين".؟
بشكل فوري رد عليه الصحابي الجليل قائلا : " تطهر بدنك، وثوبك، وتشهد شهادة الحق، ثم تصلي".. وهنا ظهرت معالم شخصية أسيد من القوة والحزم والمبادرة باتخاذ القرارات القوية حيث قام من غير إرجاء ولا إبطاء ليستقبل الدين الذي انفتح له قلبه، وأشرقت به روحه، فاغتسل وتطهر، ثم سجد لله رب العالمين، معلنا إسلامه، مودّعا أيام وثنيّته، وجاهليته..!!
وبعد اعتناق الصحابي الجليل الإسلام لم يكن أمامه الإ العودة لسعد بن معاذ، لينقل إليه أخبار المهمة التي كلفه بها.. مهمة زجر مصعب بن عمير واخراجه.. وعاد الى سعد.. وما كاد يقترب من مجلسه، حتى قال سعد لمن حوله: " أقسم لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به".!! أجل.. لقد ذهب بوجه طافح بالمرارة، والغضب والتحدي.. وعاد بوجه تغشاه السكينة والرحمة والنور..!!

اظهار أخبار متعلقة

وفي هذه اللحظة قرر اسيد الرهان علي ذكائه لتجاوز هذه الأزمة خصوصا أنه يدرك ما يتمتع به سعد بن معاذ من قدرات وفي مقدمتها رجاحة العقل .. ويعلم أنه ليس بينه وبين الاسلام سوى أن يسمع ما سمع هو من كلام الله، الذي يحسن ترتيله وتفسيره سفير الرسول اليهم مصعب بن عمير.. لكنه لو قال لسعد: اني أسلمت، فقم وأسلم، لكانت مجابهة غير مأمونة العاقبة..

واختار اسيد بن حضير الحيلة لاستئثارة سعد بطريقة تدفعه الى الذهاب مجلس مصعب حتى يسمع ويرى.. فكيف السبيل لهذا..؟ كان مصعب كما ذكرنا من قبل ينزل ضيفا على أسعد بن زرارة.. وأسعد بن زرارة هو ابن خالة سعد بن معاذ.. هنالك قال أسيد لسعد: " لقد حدّثت أن بين الحارثة قد خرجوا الى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وهم يعلمون أنه ابن خالتك".. وقام سعد، تقوده الحميّة والغضب، وأخذ الحربة، وسار مسرعا الى حيث أسعد ومصعب، ومن معهما من المسلمين..

الصحابي الجليل وحيلة دفعت ابن معاذ لاعتناق الإسلام 

وعندما اقترب ابن معاذ من مجلس سفير الرسول صلي الله عليه وسلم لم يجد ضوضاء ولا لغطا، وإنما هي السكينة تغشى جماعة يتوسطهم مصعب بن عمير، يتلو آيات الله في خشوع، وهم يصغون إليه في اهتمام عظيم.. هنالك أدرك الحيلة التي نسجها له أسيد لكي يحمله على السعي إلى هذا المجلس، وإلقاء السمع لما يقوله سفير الإسلام مصعب بن عمير.
رهان أسيد علي إمكانية اعتناق صاحبه الإسلام كان في محله فما كاد سعد يسمع حتى شرح الله صدره للإسلام، وأخذ مكانه في سرعة البرق بين المؤمنين السابقين.
وبعد اعتناق كل من اسيد وسعد بن معاذ للإسلام وانشراح صدرهم للدين الحنيف عاش اسيد عابدا، قانتا، باذلا روحه وماله في سبيل الخير، جاعلا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار نصب عينيه: " اصبروا.. حتى تلقوني على الحوض".. ولقد كان لدينه وخلقه موضع تكريم الصدّيق حبّه، كذلك كانت له نفس المكانة والمنزلة في قلب أمير المؤمنين عمر، وفي أفئدة الصحابة جميعا.

 بل وكان الاستماع لصوته وهو يرتل القرآن احدى المغانم الكبرى التي يحرص صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم عليها حيث كان الصوت الخاشع الباهر المنير الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أن الملائكة دنت من صاحبه ذات ليلة لسماعه..

اظهار أخبار متعلق

وكان للصحابي الجليل بعد وفاة النبي ونظرا لذكائه الشديد وحدة عقله دورا مهما في وأد أول مشكلة معقدة بين المهاجرين والأنصار في يوم السقيفة ، -حيث أعلن فريق من الأنصار ، وعلى رأسهم سعد بن عبادة أحقيتهم بالخلافة، وطال الحوار ، واحتدمت المناقشة ، فكان موقف أسيد - وهو زعيم أنصاري كبير - فعالا في حسم الموقف ،

اسيد بن خضير بطل يوم السقيفة

وكانت كلمات الصحابي الجليل أسيد بن حضير كفلق الصبح في تحديد الاتجاه ، فقد وقف مخاطباً فريق الأنصار من قومه: " تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين فخليفته إذاً ينبغي أن يكون من المهاجرين ، ولقد كنا أنصار رسول الله ، وعلينا اليوم أن نكون أنصار خليفته وهي كلمات كان لها وقع السحر علي المهاجرين والانصار علي حد سواء "
مناقب الصحابي الجليل لم تتوقف عند هذا الحد ففي غزوة بني المصطلق ظهر كيد وغيظ عبدالله بن أبيّ فقال لمن حوله من أهل المدينة: " لقد أحللتمومهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا إلى غير دياركم ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل" سمع الصحابي الجليل زيد بن الأرقم هذه الكلمات ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتألم كثيراً ، فقابله أسيد بن حضير فقال له النبي عليه السلام: "أوما بلغك ما قال صاحبكم؟"

أسيد وكلمات اثارت إعجاب النبي

فرد أسيد علي الرسول متسائلا : "وأيّ صاحب يا رسول الله ؟" قال الرسول : "عبد الله بن أبيّ" قال أسيد : "وماذا قال ؟" قال الرسول : "زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل" قال أسيد : :فأنت والله ، يا رسول الله ، تخرجه منها إن شاء الله ، هو والله الذليل ، وأنت العزيز ثم قال أسيد : " يا رسول الله ارفق به ، فوالله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه على المدينة ملكا ، فهو يرى أن الإسلام قد سلبه ملكا وهي كلمات أثارت ارتياح النبي ً

اقرأ أيضا:

قصة النار التي أخبر النبي بظهورها


 وفي شهر شعبان عام عشرين للهجرة، مات أسيد.. وأبى أمير المؤمنين عمر الا أن يحمل نعشه فوق كتفه.. وتحت ثرى البقيع وارى الأصحاب جثمان مؤمن عظيم.. وعادوا الى المدينة وهم يستذكرون مناقبه ويرددون قول الرسول الكريم عنه: " نعم الرجل.. أسيد بن حضير