بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بشرا ليحيى مع الناس يعايش آلامهم واحلامهم أفراحهم وأتراحهم؛ ولذا كان رسول الله قدوة عملية لحياة الناس في جميع أحوالهم.
ومن تمام نعمة الله تعالى على البشر أن أمرهم أن يقتدوا
بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فهو خير أسوة وخير قدوة، قال تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة..".
والسؤال كيف كان رسول الله يحيا؟
لقد تعددت أدورا رسول الله صلى الله عليه وسلم فشملت أنماطا كثيرة أشهرها ما يلي:
الرسول الزوج:
من أخلاق نبي الإسلام: أنه كان زوجًا حنونًا طيب القلب، رقيق الفؤاد، يتحمّل من زوجته أخطاءها ونفسيتها الغضوبة أو الغيورة أحيانًا، ويدللها، ويعطف عليها، ويساعدها في البيت.
فهو صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله": فيا من تدّعي حبّ النبيّ وعشقّ الرسول: متى كانت آخر مرّة وقفت مع زوجتك في المطبخ تساعدها في الطهي أو الغسيل أو كنيس البيت؟
نعم: كان سيدي وسيدك رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصنع هذا، تجيب أم المؤمنين عائشة لما سئلت: «مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ -تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ» والحديث رواه البخاري في صحيحه.
رسول الله يدلل زوجته ويناديها باسم جميل، وكان يدلل زوجته ويناديها باسم جميل فمرة يقول لأم المؤمنين عائشة (يا عائش) وتارة (يا عويش). قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا: «يَا عَائِشَ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ» فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
رسول الله يصرّح بحبّ زوجته ولا يستحيي من ذلك، وكان لا يستحيي أن يصرّح بحبّه لها أمام الرّجال؛ لأنه كان مشرعًا ومعلّمًا، فعند الترمذي في سننه عن أَنَسٍ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ»، قِيلَ: مِنَ الرِّجَالِ. قَالَ: «أَبُوهَــا»، وهو «حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ». نعم هذا رسول الله!!
رسول الله ينصت إلى زوجته ويستمع إليها وهي تحكي وتفضفض ورسول الله يستمع إلى زوجته طوال الليل ولا يتأفف رغم أعبائه ومشاغله وسعيه في الحياة، ولم يتحجج -حاشا وكلا- بكثرة أعبائه وأعباء الحياة كما نحن اليوم، وراجع حديث أم زرع وما كان من أمره. كما عند البخاري في صحيحه، وأول الحديث: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً، فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لاَ يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا، قَالَتِ الأُولَى:......». هكذا عاش رسول الله في حياته الزوجية، عطوفا، حبيبا، رقيقا، ليس بغاضب ولا متهوّر ولا مندفع في الأمور.... فتخلقوا!!..
الرسول القائد:
إنّ المتأمّل في سيرة النبي الحبيب لَيَرَى أنه -رغم قيادته وزعامته للأمّة وللصحب الكرام- كان أقرب الناس إلى أصحابه، وكانوا يأنسُون بلقائه، ويعشقُون مجالستَه، -بعكس حكّام الزمان-.
كان عليه الصلاة والسلام يحترم كلّ جندي عنده من الصحابة صغيرا أو كبيرا، غنيا أو فقيرًا، يقبل مشورتهم ويأخذ بها، يغيّر خطّةً عسكريةً بسببِ رأيٍ لجنديّ في المعركة، ويحنو على أتباعه وأفراد شعبه، فما كان له ليقسو عليهم أو يثقل عليهم الأمور، أو يصعِّب عليهم الحياة والمعيشة، بل إنه حذّر أشدّ التحذير من ذلك بقوله: «اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ» [أخرجه مسلم في صحيحه].
فكان خيـر نموذج للحكام والقادة، في الرّفق والحنان، والتواضع والأمان، واللين والرفق، وقد وصفه ربه -بحكم أنه قائد وزعيم- بقوله في سورة آل عمران: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ" [آل عمران: 159].
الرسول الداعية:
لقد كان وسيظل رسول الله هو الدَّاعية الأعْلى والأرْقى مقامًا وقيمة، في دعوته وشئونها، في أسلوبه ووسائله الدعوية، لا سيما عند الانتقاد والنصح والإرشاد، وتصويب الأخطاء.
فهلا ذكَرنا طريقته عندَ انتقادِ من أخطأ، وهو يقول: «ما بال أقوام».
أما رأيتم حبيب القلوب محمد صلى الله عليه وسلّم، وهو يمسح على رأس الأيتام؟ أما شاهدتموه وهو يلاعب عمير الصغير لأن طائره قد مات؟!
أما رأيتموه وهو يقبل ابنته الزهراء بين عينيها إعلانا للمحبة والرأفة بها؟!!
أو ما شاهدتم مشهده وهو يطأطئ ظهره لحفيديه ليصعدا عليه لعبًا ومرحًا؟!! أما رأيتموه وهو يقبل الصبيان ويلعب معهم في المدينة؟!!
إننا وبحق مقصرون في حقوق أبنائنا وبناتنا، ليس حقوقهم المادية -أقصد- فكم اشتكت أسرة من التدليل الزائد والإنفاق الرهيب على الأبناء والبنات، وكأن التربية تسمين بدني أو جسدي للأبناء!!
إنما أقصد حقوقهم المعنوية من مكافأة بلقب وتشجيع وتحفيز.
تعامل الرسول الله مع الأعداء:
حتى أعداء الرسول لاحظوا أخلاقه وسماته وسلوكياته الحسنة، التي أجبرتهم على احترامه وتقديره والشهادة له بأطيب الأخلاق وأحسنها، ولك أن تذكر، وهو في مكة يناديه الناس بالصّادق الأَمين، ويوم أن شهد له عتبة بن ربيعة وللقرآن الذي سمعه منه، ويوم أن اعترف أبو سفيان -وقت كفره وعدائه له- بصدقه وأمانته أمام هرقل، لكم أن تنظروا في يوم أنْ أسَر عددًا من المشركين يوم بدر، وماذا صنع معهم، من إكرام وفادة، وتحرير رقبة بتعليمهم المسلمين القراءة والكتابة.