كل صحابي من الصحابة الذين هاجروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لها حكاية ونموذج من نماذج التضحية، ومنها ما وقع للصحابي عبد الله ذي البجادين رضي الله عنه.
كان من مزينة رضي الله عنه، ومات في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تفاصيل إسلام ذي البجادين
يقول ابن كعب القرظي: إن عبد الله ذا البجادين كان من مزينة، فوقع في قلبه حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحب الإيمان، فتوجه نحو النبي صلى الله عليه وسلم.
وذهبت أمه إلى قومها، فقالت: إن عبد الله قد توجه نحو محمد، فاتبعوه فردوه، فقالت أمه: خذوا ثيابه، فإنه أشد الناس حياء، فإنكم إن أخذتم ثيابه لم يبرح، فأخذوا ثيابه وجرّدوه فقعد في البيت، فأبى أن يأكل ويشرب حتى يلحق بمحمد صلى الله عليه وسلم.
فلما رأت أمه أنه لا يأكل ولا يشرب أتت قومها، فأخبرتهم أنه قد حلف لا يأكل ولا يشرب حتى يلحق بمحمد صلى الله عليه وسلم فأعطوه ثيابه فإني أخاف أن يموت فأبوا، فأخذت بجادها وقطعته قطعتين، ثم زررت أحدهما فاتزره ووضع الآخر على رأسه، وقالت: اذهب.
فذهب، ترفعه أرض وتخفضه أخرى حتى قدم المدينة وقرأ القرآن وفقه في الدين، فكان يأوي هو وأصحابه إلى ظل بيت لامرأة من الأنصار تضع لهم طعامهم وتهيئ لهم أمرهم.
فقال له أصحابه ذات يوم: لو تزوجت فلانة، فبلغ ذلك المرأة، فقالت: ما لكم حديثا إلا ذكري، لتمسكن عن ذكري أو لا يأويكم ظل بيتي، فبلغ ذلك أبا بكر رضي الله عنه، فأتاها فقال: يا فلانة، ألم يبلغني أن عبد الله خطبك فتزوجيه؟ فإنه في حسب من قومه وقد قرأ القرآن وفقه في الدين.
وأتاها عمر رضي الله عنه، فقال لها مثل ذلك، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وكان عبد الله إذا طلعت الشمس قام فصلى ما شاء الله أن يصلي، ثم يمر بالنبي صلى الله عليه وسلم فيسلم عليه، ثم يذهب إلى رحله، فصلى ذات يوم، فمر بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عبد الله، ألم يبلغني أنك تذكر فلانة؟» ، قال: بلى، قال: «قد زوجتكها» ، فأتى أصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجنيها.
فجاءت نسوة من الأنصار فذهبن بها، وهيئنها وصنعنها، وصنعن لها بردة، وصنعن لها وسادة من أدم، وقدحا وشيئا من طعام، فزفينها عشاء، فقام يصلي ما عرض لها ولا أرادها حتى أذن بلال بالفجر، فلما أذن ذهبت النسوة إلى أزواجهن فقلن: والله ما لعبد الله من حاجة، ما عرض لها، ولا أرادها، ولا قربها.
وصلى عبد الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر، فلما طلعت الشمس قام يصلي نحو ما كان يصلي، فمرّ بالنبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما لك في أهلك حاجة؟».
قال: بلى، ولكن رأيت نعمة من نعم الله تعالى، رأيت امرأة جميلة، وفراشا، وطعاما فلم أجد شيئا أتقرب به إلى الله إلا سلاحي، ولم أكن أوثر بسلاحي على الله ورسوله أحدا إلا أن أصلي، فهذا وجهي إلى أهلي يا رسول الله، فذهب إلى أهله فأصاب منها فعلقت بجارية، فأصابته جراحة يوم خيبر، فأوصى: أني لم أكن أعطيت امرأتي شيئا فأعطوها نصيبي من خيبر، ومات.
اقرأ أيضا:
ودع أصحابه لكنهم لم يودعوه.. أصعب كلمة وداع في التاريخاللهم ارض عنه
قال ابن مسعود رضي الله عنه: أصابنا جوع شديد، فخرجت ذات ليلة فرأيت نارا، فقلت: لأدنون منها لعلي أصيب عندها طعاما، قال: فدنوت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر يحفر يناول أبا بكر وعمر التراب، وإذا عبد الله مسجى عليه، فلما دفنه قال: «اللهم إني عنه راض فارض عنه» ، مرتين أو ثلاثا.
قال: فشبت الجارية وكان بنو عمه يخاصمون امرأته في ابنته، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للعمومة، فقالت أمها: يا رسول الله، تدفع بنت عبد الله إلى الأعراب ألا تخيرها، فخيرها يا رسول الله، فذهبت بها فجعلت تعلمها فقالت: إذا قال لك غدا رسول الله: اختاري فقولي: أختار الله ورسوله، ودار الهجرة، فلم تزل تعلمها حتى لقنت، فجاءت بها إلى الغد، فقالت: يا رسول الله، هاهي ذه فخيرها، قال: «اختاري يا بنية» .
قالت: أختار الله ورسوله، ودار الهجرة، والإيمان، فقضى بها لأمها، ثم جاءوا إلى أبي بكر، فقضى بها لهم فأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بها لأمها فردها إلى أمها، ثم أتوا عمر فقضى بها لهم، فقيل لعمر رضي الله عنه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بها لأمها، قال: لقد هممت أن أفعل بكم وأفعل، تغفلتموني بها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بها لأمها.