وقف أحد المحاضرين في المؤتمر مزهوا بما توصلت إليه نتائج الأبحاث من أن مخ الرجل أكثر وزنا بنسبة 10-20 % من مخ المرأة، وهنا وقفت امرأة من الصفوف الخلفية لتعاجله بتفسيرها الأنثوي:
"طبعا علشان مخكوا تخين
".
وهذا يفتح الباب أمام معرفة الفروق بين مخ المرأة ومخ الرجل، على الرغم من أن البحوث ما زالت مستمرة للوصول إلى مزيد من الأسرار والفروق، ولكن بقدر كبير من التبسيط يظهر أن هناك اختلافات نوعية في طريقة عمل كل من مخ المرأة ومخ الرجل تتجاوز الاختلافات الكمية، فمثلا يعمل مخ المرأة كشبكة متصلة وبشكل كلي بينما يعمل مخ الرجل كغرف مغلقة ومتخصصة، ولهذا تستطيع المرأة أن تتعامل مع أكثر من مهمة في وقت واحد فهي تراقب طهي الطعام في المطبخ، وتجهز
"الرضعة لطفلها
" وتتابع مسلسلا في التليفزيون، وتتحدث إلى والدتها في التليفون؛
بينما الرجل يحتاج لأن يستغرق في مهمة واحدة ويركز فيها ويستبعد ما عداها، ولهذا نلاحظ أن
الرجل حين يريد أن يعمل يفضل أن يكون في غرفة مغلقة وهادئة بعيدا عن تشويش من حوله، وينزعج جدا لوتعرض لما يشتت له انتباهه، ولا يستطيع الانتقال من مهمة لأخرى بسرعة كما تفعل المرأة، بل يحتاج لبعض الوقت ليخرج من غرفة إلى غرفة أخرى، ويحتاج لأن يغلق الغرفة الأولى قبل أن يفتح الغرفة الثانية، وربما هذا هو السر في وصف بعض الرجال بأن مخهم مقفول أو انه هو نفسه
"قفل
" حين يعجز عن الإنتقال من موضوع لآخر بسلاسة وبسرعة.
والانتقال من غرفة لأخرى يحتاج لوقت عند الرجل، وهذا ما لا تدركه
المرأة فهي تتلقاه على باب الشقة، وتعاجله بالحديث في مشكلة خاصة بها أو بالأولاد أو بالعائلة، وهو لا يكون جاهزا لاستقبال حديثها، حيث أنه ما يزال في غرفة هموم العمل، والمواصلات، والمشكلات الحياتية، فينفعل عليها، بينما تغضب هي وتعتبر أنه
"مكبر دماغه
"، و
"حاطط إيده في المياه الباردة
" ولا يريد أن يتحمل بعض مشاكلها ومشاكل البيت أو أنه لا يهتم بها ويعتبرها تافهة.
والرجل يستطيع أن يأوي من وقت لآخر إلى غرفة فارغة في عقله، فيسترخي ويعيش لحظات يتوقف فيها عقله عن العمل الواعي، وهو مستلق على سرير ، أو كنبة، أو جالس أمام البحر، وفي هذه اللحظات لا يلتقط عقله الواعي أو يخزن معلومات أو أي شيء يشغله، لهذا ربما تخبره المرأة بشيء في هذه اللحظات فينساه تماما ويقسم بأنه لم يحدث، أما المرأة فمخها يعمل بصفة مستمرة، ولا تهدأ بسهولة، وتكون منتبهة لكل التفاصيل من حولها، ومستعدة دائما للاستجابة لمطالب الآخرين من حولها
(أطفالها، زوجها، والدها المريض، والدتها المسنة، صديقاتها
).
وبمعنى آخر فإن الرجل يمتلك في مخه خاصية التشغيل والفصل ON/OF بحيث يستطيع أن يفصل في بعض الأوقات عما يحيط به، فيستمتع بقراء الجريدة أو مشاهدة المباريات الرياضية أو الجلوس مع أصحابه على المقهى أو الإسترخاء على شاطئ البحر، أما المرأة فليست لديها هذه الخاصية، ولهذا يعمل عقلها وتعمل مشاعرها ليل نهار ولهذا تجد نفسها مجهدة ومرهقة أغلب الوقت.
والرجل بسبب هذه الخاصية ينام بعمق أكثر من المرأة، ولهذا نجد نسبة الشخير لديه أكثر من نسبتها لدى المرأة، فهي تقوم مرات أكثر لدخول الحمام
(خاصة لو كانت حاملا
) أو للاطمئنان على أطفالها وتلبية احتياجاتهم ليلا، أو لعمل شيء في البيت لا يتسع له النهار، أو تجد نفسها في حالة أرق بدون سبب واضح، في حين أن زوجها قد راح في نوم عميق وعلا شخيره
(ووصل للجيران
) بمجرد أن وضع رأسه على الوسادة.
والرجل حين يتعرض لضغوط نفسية يحب أن يأوي إلى كهفه صامتًا ويعيش في غرفة
"اللاشيء
"، وفي هذه الأثناء لا يحتمل أن تحدثه المرأة في أي شيء، بل يريدها أن تتركه، أما هي فحين تتعرض للضغوط يحتاج مخها أن يعمل أكثر، ولسانها أن يتحدث أكثر، وتريد من الرجل أن يسمعها، ويحاورها حتى لو تشاجر معها، فهي لا تحتمل صمته وتعتبره نوعا من العدوان عليها والمكايدة لها، وتنكد عليه
(وعلى أهله
) إذا أغلق باب التواصل معها في هذه اللحظات.
والجهاز الحوفي في المخ
Limbic system
عند المرأة أكثر نشاطا منه عند الرجل، وهو الجهاز المختص بالمشاعر والأحاسيس والانفعالات، ولهذا نجد المرأة أكثر اهتماما بالعلاقات والعواطف، وهي تستشعرها وتستجيب لها وتعبر عنها بسهولة وسرعة أكثر من الرجل. وهذه ميزة في المرأة تناسب قيامها بوظائفها فهي تحتاج أن تشعر بمن حولها من أطفال وكبار لتقوم بواجب الرعاية نحوهم، وتحتاج لأن تعبر عن مشاعرها حتى تتلقى المعونة في أوقات ضعفها
(وهي كثيرة
).
وفي المقابل نرى مراكز التحليل ومعرفة الاتجاهات والمهارات الفراغية والحركية والعضلية أكثر عند الرجل لتناسب المهام المنوطة به في التعامل مع الأشياء في البيئة المحيطة به، ولهذا يفخر الرجل بنجاحه في الإنجاز في عالم الأشياء بينما تفخر المرأة بنجاحها في العلاقات مع البشر. واللوزة
Amygdala
هي جزء من الجهاز الحوفي، وهي مختصة باستشعار الخطر والدفع نحو الهروب أو المواجهة، وهي أيضا أكثر نشاطا عند المرأة ولذلك نرى المرأة أكثر قلقا من الرجل وأكثر استشعارا للمخاطر والأزمات، وبالتالي أكثر هما وخوفا من الأحداث والمستقبل.
وبما أن المرأة أكثر اهتماما بالعلاقات
(بينما الرجل أكثر اهتماما بالإنجاز
) فإنها تبذل جهدا ووقتا كبيرين في الحديث وتريد أن يستمع إليها أحد وهي تسرد تفاصيل علاقاتها بمن حولها أو خلافاتها معهم، والرجل يستمع ذلك على مضض ويشعر بالملل سريعا لأنه يرى أن هذه الأشياء ليست مهمة إلى هذه الدرجة، وأحيانا يراها تافهة، وهذا ما يجعل المرأة تثور وتغضب عليه أكثر وربما تجعل حياته جحيما عقابا على تسفيهه لها ولعقلها، وانتقاما منه لأنه أغلق فمها عن الكلام وسد نفسها وخنق مشاعرها.
ومراكز الكلام أسرع نموا وأكثر نشاطا عند المرأة، وهي ترغب في التعبير عن نفسها بكل اللغات الممكنة، وحين تكون تحت ضغط نفسي أو حتى في حالة فرح ترغب في الحديث باستفاضة وتريد من يسمعها، ويخطئ الرجل حين يظن أنها تريد منه حلا لمشكلة أو حسما لموقف، هي تريده فقط أن يسمعها وأن يهتم بتفاصيل حياتها وبها، ولا تريده أن يغلق الموضوع مبكرا، وهنا تحدث الخلافات والاشتباكات.
ومخ المرأة أكثر قدرة على ملاحظة وإدراك التفاصيل الدقيقة أكثر من الرجل، ولديها القدرة على ربط تلك التفاصيل وتذكرها، والذاكرة القصيرة عند المرأة أقوى من الرجل خاصة فيما يخص مسائل الكلام والعلاقات، أما الرجل فيتمتع بذاكرة طويلة الأمد أقوى فيما يخص الأحداث ومجمل الأشياء.
ومراكز التحليل المنطقي والرياضي أقوى عند الرجل، وهذا يجعله أكثر قدرة من المرأة في هذه المجالات التحليلية والرياضية والحسابية، بينما تتفوق هي عليه لغويا وكلاميا وعلاقاتيا.
وبالطبع هناك اختلافات فردية هنا وهناك ربما تخرج عن هذه القواعد العامة، وهذه الاختلافات والاستثناءات تؤكد القاعدة ولا تنفيها.
وكما نرى فإن ثمة اختلافات جوهرية بين دماغ المرأة ودماغ الرجل فنرى ميزة هنا يقبلها أخرى هناك، وزيادة هنا يقابلها نقصٌ هناك، وهذه حكمة الله ليكون التكامل بين الجنسين كتكامل الليل والنهار، واحتياج كل منهما للآخر دون وصم أو استعلاء أو تفرقة قائمة على النوع، ولا ننسى أن آدم عاش في الجنة سنوات، وفي وقت من الأوقات استوحش ولم يعد يشعر بنعيم الجنة فخلق الله له حواء لتعيد له الإحساس بالأشياء ولتجعل للحياة لونًا وطعمًا ومعنى ولتكون معه سببًا في عمارة الحياة.
د.محمد المهدي
أستاذ الطب النفسي- جامعة الأزهر
*بتصرف يسير
اقرأ أيضا:
زوجتي طفلة كلما غضبت خاصمتني وذهبت لبيت أهلها.. ماذا أفعل؟ اقرأ أيضا:
صديقتي تريد الانتحار وأهلها رافضون ذهابها إلى طبيب نفسي .. كيف أنقذها؟