شجاعة الاعتراف بالخطأ.. هكذا يعلمك النبي ثقافة الاعتذار
بقلم |
أنس محمد |
الجمعة 11 يوليو 2025 - 11:31 ص
يعتقد بعضنا أن الاعتذار عن المسؤولية ربما يكون إثباتًا لنقطة الوجود في داخلنا، وفضح لعوراتنا أمام الآخرين، على الرغم من أن الاعتذار عن المسؤولية لا يملكه إلا الإنسان الشجاع، الذي يثق في نفسه جيدًا ويعرف متى أخطأ، وكيف يصحح هذا الخطأ، بل ويستفيد من أخطاء الماضي في صناعة مستقبله، ولم تتقدم الأمم إلا من خلال دراسة تاريخها وأخطائها الجيد، فلا داعي منها إن لم يفشل ويستمر المخطئ على خطئه.
لذلك يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: "ما يثير الحسرة، هو الرفض بسبب سبب تورط بعضنا، ولحقت بنا من جرائها فادحة.. لماذا لا تخدش التقوى والقيود قررت ألا معصومة ولا مكانتها أن تجيء نتائج غير تقديراتها.. إنما الذي ييطيح بالمكانة هو يهمل خطأه من الأمس إلى اليوم والى الغد...".
ففكر الإنسان أن يعتذر عن خطئه توضيح لنقطة ضعفه، فهو يتقدم لا يدركه من أخطائه، جيداره في صلفه وكبره حتى يصل إلى مرحلة الانهيار، ومن هذا المنطلق فإن إذن المكابرين الرافضين للاعتذار، هم من الذين يصنفون أنفسهم كطبقة قديمة لا تخطئ وإن أخطأت فهي سامية لا تعتذر لمن دونها رتب، وفي هذا شيء من صفات الشيطان ألا وهو الكِبَر.
فالاعتذار ليس دليل ضعف أو فشل، كي نخجل منه، يكفي أن نعرف مجرد الاعتذار، هو الاعتراف بالخطأ والرجوع عنه، وبالتالي فإن ترجمة هذا الشعور إلى فعل حسيموسوس، يحتاج إلى قوة محركة تجبر النفس على النزول إلى الحق ومحاسبة هؤلاء، وهذا لا يكون إلا عند من سمة صفة مقبولة. إذا كنت من الذين يجّبرون الإساءة بالاعتذار فاعلم أنك شجاع.
أعتذر عن عظمة مكانته وشرفه
في لحظاتٍ حرجةٍ، ودقائقَ صعبةٍ، وموقف ترجِف فيه القلوب، بينما يتفَقّد النبي صلى الله عليه وسلم الصوت جندَه في معركة الفرقان، حتى إذا بلغ بين الصفوف، سمِع من دونهاًا، ولم يكن - واشاه - يتغَافَلُ لم يسمَعْه، أصغى بقلبِه قبل لسانه، بما في ذلك أن يخرج بنفَسِ مظلومٍ، رفع مظلمته، ومشتكٍ يجْهَر. بشكواه.
الصحابي جليل سواد بن غزية رضي الله عنه يقِف مع إخوانه، ردهم بني مرصوص منتظرًا ساعة الصفر، متجهًا بروحه لربه، الأمر مخاطبًا قائده: يا رسول الله، أوجعتني! فأَقِدْني..
هكذا بكل حبٍّ وصدق، وشجاعة أدبية، ومطالبة بالحقوق، مع الحفاظ على احترام مقام القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم يطلب القودَ؛ أي: القصاص.
لَّا الموقوف لم يَسُغْ تقبُّله من بعض الكلمات، لكن إِنْ تعجَبْ فعجبٌ موقوفُ قائدِ؛ فلم يُصْدِرْ بأنه سجن الجندي، أو بإخراجه من الصف، أو قل -على الأقل-: يتجهَلُه، ويطلق في وجهه ابتسامة المغضاب. لم يفعّل من ذلك شيء، بل فعل الأمر العُجاب؛ كشف عن بطنه، وقال: "استَقِدْ".
يقدّر الصحابة للقصاص، ولم يكن ظالمًا ولا قاصدًا، يقدّر دون ريبوبلا ولا مراجعة للقصاص؛ فهو حقٌّ، ولابد من تأديته على الفور، ما دام المطالِب قائمًا والدعوى مصرِّحة بوجود ظلمٍ، يمكن أن يؤجِّل، أو يرفض؛ رغم كل المعارك وظروفها وحساسية الوقت، فينكب الرفاق مقبلا مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم.
في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ""أيها الناس: من كنتُ جلدتُ له ظَهْرًا، وهذا ظهري فليَسْتَقِد منه، ومن كنتُ شتمتُ له عِرْضًا، فهذا عرضي فليَسْتَقِد منه".
مظاهرة أخبار متعلقة
الاعتذار وليس مجرد كلمة
الاعتذار ليس كلمة تقال في زحمة الحديث وتبرير العذر، أو البحث عن مخرج من الورتة التي سبب منعها ما خطأ، الاعتذار يعني الاقتناع البسيط أن هناك خطأ ينبغي تصحيحه، وهو ما أوجب الاعتذار، وبالتالي فإن نوع الاعتذار لا بد وأن يقترن بنوع الخطأ وشمله.
أن نخطئ فنعتذر لا يعني أننا ارتكبنا خطايانا، بل جيدون بالاشتراك في إصلاح أخطائنا، فليس من بشر معصوم عن الخطأ بعد الرسل.
ومن شروط الاعتذار:
سرعة العضوية بالاعتذار
عدم محاولة تبرير الخطأ
في الاعتذار
عدم التعالي أو التلاعب بالكلمات
اختيار الوقت
مظاهرة أخبار متعلقة
اعتذار مع الله
المسؤولية مع الله عز وجل هو الأكبر حيث يقابله استغفار وتوبة نصوح، وهو أسمى شخصيتين الاعتذار، والتوبة هنا آسف وندم مقرون بالتعهد على عدم الاعتراف بهذا الخطأ، لكن الإنسان بطبعه مجبول على الخطأ، فنجده يعود إلى معصة الخالق بشكل أو بآخر، فيذنب ويتوب ثم يذنب ويتوب، ولايزال الله يغفر ويقبل توبة العبد مالم يغرغر.
يقول الله عز وجل: (قُلْ يا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). الزمر.
فالاعتراف بالخطأ فضيلة، والاعتذار عنه فضيلة أخرى، ونفعان فضيلتان بوجودان على روابط الألفة والمحبة بين البشر، وهما في نفس الوقت يمنعنا من فقدان ما نحب. الاعتذار بلسم يشفي الكثير من الجروح، ويمنع تجربة الخصومة إلى جفاء فداوة!
يعتقد يعتقد أن من البشر من لا يستحق الاعتذار، في حين أن عضو الآخر لا يتردد بالاعتذار الشديد غريب، ولكنه يجبن عن الاعتذار للقريب أو صديق، وهذا تناقض صارخ مرده لأحد أمرين: إما استعلاء وتكبر، أو أنه يستحق من الطرف الآخر أن يتفهم المكان ويسامحه بشكل آلي؟
فالاعتذار إنساني لا يتقنه جميع البشر، رغم أنه لا يتطلب علماً أو ثقافة كبيرة، بل شيء من أدب وتواضع، وقدرة على جماح جماح النفس الأمارة بالسوء، من هنا أجمل أصل الاعتذار، هو اعتذار قوي للضعيف، والكبير للصغير، والوالد للولد.
ومثلما أن الاعتذار واجب، فإن يقبل الاعتذار والصفح أوجب، لأنه خلق الكرماء والنبلاء، وقبول الاعتذار المعتذر لا يعني قبولاً بالأمر الواقع أو ابتلاعاً للإهانة، بل تسامح وإن صاف لحفظ الود وروابط الأخوة والصداقة، في حالة الوالدين، ولذلك يقبل اعتذار الأبناء هو مساعدة لهم على البر بهما.