تحدثنا في مقال سابق عن زنا المحارم، ولماذا يحدث، وكيف يمكن للفطرة أن تنتكس، ونكمل عبر هذا المقال بالحديث عن الآثار النفسية، والإجتماعية، الناجمة عن زنا المحارم، على الأشخاص، والأسرة، والمجتمع، وكيف يمكن الوقاية من وقوع هذا الأمر، شأنه شأن أي مشكلة أو مرض، وإمكانية علاج ضحاياه.
1- تداخل الأدوار واضطرابها
كما ذكرنا آنفا، مع ما ينتج عن ذلك من مشاعر سلبية، مدمرة لكل العلاقات الأسرية، كالغيرة، والصراع، والكراهية، والاحتقار، والغضب، ولنا أن نتخيل فتاة صغيرة تتوقع الحب البريء، والمداعبة الرقيقة، الصافية، من الأب، أو الأخ الأكبر، أو العم ، أو الخال، أو غيرهم، فتحدث الممارسات الجنسية، وتواجه أمرًا غير مألوف يصيبها بالخوف والشك والحيرة والارتباك, ويهز في نفسها الثوابت ويجعلها تنظر إلى نفسها وإلى غيرها نظرة شك وكراهية, ويساورها نحو الجاني مشاعر متناقضة تجعلها تتمزق من داخلها، فهي من ناحية تحبه كأب أو أخ أو خال أو عم, وهذا حب فطرى نشأت عليه, ومن ناحية أخرى تكتشف إن آجلًا أو عاجلًا أنه يفعل شيئًا غريبًا أو مخجلًا أو مشينًا خاصة إذا طلب منها عدم الإفصاح عما حدث، أو هددها بالضرب أو القتل إن هي تكلمت.
وهذه المشاعر كثيرًا ما تتطور إلى حالة من الكآبة والعزلة، والعدوان تجاه الذات، وتجاه الآخر (الجاني وغيره من الرجال)، وربما تحاول الضحية أن تخفف من إحساسها بالخجل والعار باستخدام المخدرات، أو الانغماس في ممارسات جنسية مشاعية، مبالغة في الانتقام من نفسها ، ومن الجاني (وذلك بتلويث سمعته خاصة إذا كان أبًا أو أخًا أكبر).
2- اهتزاز الثوابت
إذ تهتز معاني الأبوة، والأمومة، والبنوة، والأخوة، والعمومة، والخؤلة, تلك المعاني التي تشكل الوعي الإنساني السليم، والوجدان الصحيح.
3- صعوبة إقامة علاقات عاطفية أو جنسية سوية
حيث تظل ذكرى العلاقة غير السوية، وامتداداتها، مؤثرة على إدراك المثيرات العاطفية والجنسية، بمعنى أنه يكون لدى الضحية (بالذات) مشاعر سلبية (في الأغلب) أو متناقضة (في بعض الأحيان)، تجاه الموضوعات العاطفية والجنسية، وهذا يجعل أمر إقامة علاقة بآخر خارج دائرة التحريم، أمرًا محوطًا بالشكوك والصعوبات، أو يظل طرفا العلاقة المحرمة أسرى لتلك العلاقة فلا يفكرا أصلًا في علاقات صحية بديلة.
1 – الاهتمام بالمجموعات الهشة
مثل الأماكن المزدحمة والفقيرة والمحرومة، خاصة في حالة وجود تكدس سكاني، أو أشخاص مضطربين نفسيًا أو مدمني خمر أو مخدرات، والاهتمام هنا يعنى اكتشاف عوامل الخطورة والعمل على معالجتها بشكل فعّال.
2- إشباع الاحتياجات
خاصة الاحتياجات الأساسية، من مسكن، ومأكل، وملبس، واحتياجات جنسية مشروعة، فالمحرومون من إشباع احتياجاتهم (خاصة الجنسية) يشكلون مصادر خطر في الأسرة والمجتمع، وهذا يجعلنا نأخذ خطوات جادة لتشجيع الزواج على كل المستويات بحيث نقلل –قدر الإمكان– عدد الرجال والنساء الذين يعيشون تحت ضغط الحرمان لسنوات طويلة كما هو الحال الآن.
وطبقا للبيان الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن حوالي تسعة ملايين مواطن تجاوزوا الخامسة والثلاثين دون أن يتزوجوا منهم حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون أنثى والباقي ذكور, فلنا أن نتصور ما يمكن أن يحدث نتيجة لهذا الوضع غير الطبيعي حيث أنهم قضوا نيفا وعشرين عاما منذ أن دخلوا مرحلة البلوغ التي يبدأ فيها إحساس الإنسان بحاجة جديدة هي الجنس دون أن تتاح لهم الفرصة للحصول على الإشباع المشروع أي عن طريق الزواج (دكتور/ أحمد المجدوب 2003, زنا المحارم, مكتبة مدبولي ص 171). والمشكلة تتضاعف إذا عرفنا أن في مصر خمسة ملايين شخص يعانون من البطالة, وهؤلاء العاطلون المحرومون من الزواج يتعرضون ليل نهار لمثيرات جنسية عنيفة في البيت والشارع ووسائل الإعلام, وهم في نفس الوقت يفتقدون الحاجز الأخلاقي الذى يمنعهم من تجاوز الحدود الدينية والأخلاقية.
3– مراعاة الآداب العامة داخل الأسرة
مثل الاستئذان قبل الدخول، ومراعاة الخصوصيات في الغرف المغلقة، والتفرقة بين الأولاد والبنات في النوم، وعدم ظهور الأم أو البنات بملابس كاشفة أو خليعة تظهر مفاتن الجسد أمام المحارم، والتزام قدر معقول من التعامل المحترم بعيدا عن الابتذال والتساهل، كما يجب تجنب المداعبات الجسدية بين الذكور والإناث في الأسرة، وعدم نوم الأبناء أو البنات في أحضان أمهاتهم أو أبائهن خاصة بعد البلوغ.
وهذا يجعلنا نعود إلى الوصايا القرآنية في قوله تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" (النور:58 )
وقوله تعالى :"قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ..." (النور30،31)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علموا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع, واضربوهم عليها وهم أبناء عشر, فرقوا بينهم في المضاجع".
4– تقليل عوامل الإثارة
من تبرج في البيوت أو الشوارع, ومن مواد إعلامية على الفضائيات أو قنوات أو مواقع إباحية تثير الغرائز وتخفض حاجز الحياء وتغتال حدود التحريم.
• الإفصاح
إن أول وأهم خطوة في علاج زنا المحارم هي تشجيع الضحية على "الإفصاح"، وذلك من خلال علاقة علاجية مطمئنة ومدعمة من طبيب نفسي، أو أخصائي نفسي أو اجتماعي. وقد وجد أن الإفصاح عن تلك العلاقة يؤدى في أغلب الحالات إلى توقفها تمامًا، لأن الشخص المعتدى يرتدع خوفا من الفضيحة أو العقاب، إضافة إلى ما يتيحه الإفصاح من إجراءات حماية للضحية على مستويات أسرية ومهنية وقانونية.
وعلى الرغم من أهمية الإفصاح إلا أن هناك صعوبات تحول دون حدوثه أو تؤخره، ومنها الخوف من العقاب، أو الفضيحة، أو الإنكار على مستوى أفراد الأسرة، ولذلك يجب على المعالج أن يفتح الطريق، وأن يساعد على هذه الخطوة، دون أن يوحى للضحية بأشياء من تخيلاته، أو توقعاته الشخصية، وربما يستدعى الأمر (بل غالبا ما يستدعى) تقديم أسئلة مباشرة، ومتدرجة، تكشف مدى العلاقة بين الضحية والمعتدى في حالة وجود شبهات أو قرائن على ذلك.
وتتفاقم المشاكل النفسية التي تصيب الضحية، بسبب عدم قدرتها على البوح بهذا الأمر، فتكتم كل الأفكار، والمشاعر ، بداخلها ، وتنكمش على نفسها، ومن هنا يكون العلاج بإعطاء الفرصة لها للحديث عن كل ما بداخلها، مع تدعيمها، ومساندتها، وطمأنتها، أثناء استعادة تلك الخبرات الصادمة، ثم محاولة إعادة البناء النفسي من جديد، بعد تجاوز هذه الأزمة.
• الحماية للضحية
بمجرد إفصاح الضحية بموضوع زنا المحارم أو انتهاك العرض، يصبح على المعالج تهيئة جو آمن لها لحمايتها من تكرار الاعتداءات الجنسية أو الجسدية أو النفسية، ويمكن أن يتم هذا بالتعاون مع بعض أفراد الأسرة الأسوياء وإن لم يكن هذا متاحا فيكون من خلال الجهات الحكومية المتاحة.
وقد يستدعى الأمر عزل الضحية في مكان آمن (دار رعاية أو مؤسسة صحية أو اجتماعية)، لحين بحث أحوال الأسرة، ومعالجة ما بها من خلل، ومراجعة قدرة الوالدين على حماية أبنائهما، وفى حالة استحالة تحقيق هذه الأهداف يحتاج الضحية لتهيئة مكان إقامة آمن لدى أحد الأقارب، أو لدى أي مؤسسة حكومية أو خيرية.
وفى حالات أخرى يعزل الجاني بعيدا عن الأسرة خاصة عند الخوف من تكرار اعتداءاته على أفراد آخرين داخل الأسرة, أو إذا كان مصابا بمرض يستدعى العلاج، وبعد الاطمئنان على سلامة وأمن الضحية، علينا بذل الجهد في محاولة معرفة ما إذا كان بعض أفراد الأسرة الآخرين قد تعرضوا لأي تحرشات أو ممارسات جنسية.
• العلاج النفسي الفردي
ويقدم للضحية لمداواة المشاكل، والجراح التي لحقت بها من جراء الاعتداءات الجنسية التي حدثت، ويبدأ العلاج بالتنفيس، ثم الاستبصار، ثم القرار بالتغيير، ثم التنفيذ، وكل هذا يحدث في وجود دعم من المعالج، وفي وجود علاقة صحية تعيد فيها الضحية رؤيتها لنفسها ثم للآخرين (خاصة الكبار)، من منظور أكثر صحة، تعدل من خلاله رؤيتها المشوهة التي تشكلت إبان علاقتها بالمعتدى.
والمعالج يحتاج لأن يساعد الضحية، في التعبير عن مشاعرها السلبية، مثل، الغضب، وكراهية الذات، والاكتئاب، والشعور بالذنب، وغيرها، من المشاعر المتراكمة كخطوة للتخلص منها، أو إعادة النظر فيها برؤية أكثر إيجابية، وكثير من الضحايا يصبحن غير قادرين على إقامة علاقات عاطفية أو جنسية سوية فيما بعد، نظرًا لإحاطة تلك الموضوعات بذكريات أليمة، أو مشاعر متناقضة، أو محرمة، فيصلون في النهاية إلى حالة من كراهية العلاقات الجنسية، مما يؤدى إلى فشلهن المتكرر في الزواج، وهذا كله يحتاج للمناقشة والتعامل معه أثناء الجلسات العلاجية، وربما يحتاج المعتدى أيضًا إلى مثل هذا العلاج، خاصة إذا كان لديه اضطراب نفسي، أو اضطراب في الشخصية، أو احتياجات غير مشبعة أو كان ضحية للإغواء من جانب الضحية.
• الوالدين
يتم تقييم حالة الوالدين نفسيًا واجتماعيًا ، بواسطة فريق متخصص، وذلك للوقوف على مدى قدرتهم على القيام بمهامهم الوالدية، وفي حالة وجود خلل في هذا الأمر يتم إخضاعهم لبرنامج تأهيلي حتى يكونوا قادرين على القيام بواجباتهم نحو أطفالهم، وفى حالة تعذر الوصول إلى هذا الهدف، يقوم طرف ثالث بدور الرعاية للأطفال حتى لا يكونوا ضحايا لاضطرابات والديهم.
• العلاج الأسرى
بما أن زنا المحارم يؤدى إلى اضطراب الأدوار ، والعلاقات، داخل الأسرة ، لذا يجب إعادة جو الأمان، والطمأنينة، وإعادة ترسيم الحدود، وترتيب الأدوار ، والعلاقات مع مداواة الجراح التي نشأت جراء تلك العلاقة المحرمة، وهذا يستدعى جلسات "علاج عائلي"، متكررة ، يساعد فيها المعالج أفراد الأسرة، على التعبير عن أفكارهم ، ومشاعرهم، وصراعاتهم وصعوباتهم، ثم يساعدهم على محاولة إعادة التكيف مرة أخرى على مستويات أفضل.
وربما يحتاج المعالج القيام بدور الأنا الأعلى (الضمير)، لهذه الأسرة، خاصة إذا كانت القيم مهتزة، أو غامضة، أو ضعيفة لدى هذه الأسرة، ويستمر هذا الدور إلى أن ينمو الجهاز القيمي، داخل الأسرة من خلال توحدهم مع المعالج وقيمه، ويكون المعالج هنا رمزًا للأبوة الصالحة، أو الأمومة الرشيدة، إلى أن يتعافى أحد أفراد الأسرة، ويأخذ هذا الدور من المعالج ليحمى بقية الأسرة من السقوط.
• العلاج الدوائي
ويقدم للحالات المصابة باضطرابات نفسية كالقلقن أو الاكتئاب، أو الإدمان، أو الفصام ، أو الهوس، وهذا العلاج يمكن أن يوجه نحو الضحية أو نحو المعتدى حسب حاجة كل منهما.
• النظر في احتياجات أفراد الأسرة وكيفية إشباعها بطرق صحيحة
فوجود أفراد في الأسرة يعانون من حرمان جنسي، لفترات طويلة، وليست لديهم علاقات، أو نشاطات كافية تستوعب طاقتهم، يعتبر عامل خطورة ، يمكن أن يؤدى إلى مشكلات جنسية داخل الأسرة، ومن هنا يأتي التشجيع على الزواج لأفراد الأسرة غير المتزوجين، أو إصلاح العلاقة بين الزوجين المبتعدين عن بعضهما لسنوات (حيث لوحظ زيادة احتمالات تورط الزوج المحروم جنسيا من زوجته في علاقات زنا المحارم)، أو فتح آفاق لعلاقات اجتماعية ناجحة، وممتدة، خارج نطاق الأسرة، أو توجيه الطاقة نحو نجاحات عملية أو هوايات مشبعة.
ويجب الانتباه إلى أن الاحتياجات غير المشبعة، تستوفى من أي احتياجات متاحة، فمثلا الأشخاص المحرومون من الشعور بالأمان، أو الحب، أو فاقدي التقدير الاجتماعي، أو الفاشلين في تحقيق ذواتهم، يمكن أن يعوضوا كل ذلك أو بعضه بالانغماس في إشباع جنسي محرم، لذلك يجب مراجعة إشباع الاحتياجات المختلفة، وطرق إشباعها، ودرجة ذلك الإشباع ، ونوعيته، وفى هذا الصدد نلفت النظر إلى هرم الاحتياجات للعالم النفسي "أبراهام ماسلو" والذي يبدأ من أسفل إلى أعلى كالتالي:
1) الاحتياجات البيولوجية ( المأكل والملبس والمسكن والجنس ).
2) الاحتياج للأمان.
3) الاحتياج للانتماء.
4) الاحتياج للحب.
5) الاحتياج للتقدير الاجتماعي.
اقرأ أيضا:
زوجتي طفلة كلما غضبت خاصمتني وذهبت لبيت أهلها.. ماذا أفعل؟اقرأ أيضا:
صديقتي تريد الانتحار وأهلها رافضون ذهابها إلى طبيب نفسي .. كيف أنقذها؟اقرأ أيضا:
أعاقب أطفالي بمنعهم من الأطعمة التي يحبونها.. هل تصرفي خاطيء؟