من جميل ما شرع الإسلام وكل شرائعه جميلة أنه يراعي الأبعاد النفسية لأبنائه فلا يشرع إلا ما فيه مصلحة راجحة مراعيا الجوانب النفسية غير مهمل لها وهذا من أميز ما تتميز به الشرائع السماوية عن القوانين الأرضية.
ومن هذه الشرائع أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى المرأة عن صوم التطوع وزوجها مقيم عندها إلا بإذنه فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) رواه البخاري.
علة نهي الزوجة عن الصيام النفل في حضرة الزوج:
وقد تكلم العلماء عن السبب الذي من جله نهى الزوجة عن صيام التطوع إلا بإذن زوجها وأسهبوا في بيان علة الحكم وهي وإن كانت معلومة لكنها تحمل في طياتها مراعاة الجانب النفسي للزوج وحفظ حقه في الاستمتاع بزوجته الذي قد يفوت بالصيام والعلة في هذا النهي، هو أن تطوعها بالصوم بغير إذن الزوج يفوت عليه حقه من الاستمتاع بها إن أراد ذلك.
صوم الزوجة يوقع الزوج في حرج:
من المعلوم شرعًا أن الزوج له أن يمارس حقوقه ولا يمنعه من ذلك مانع إلا ما يراعيه هو من آداب وأعراف لا تتعارض مع ما أوجبه الشرع بل تضبط حقوقه وممارساته، يقول النووي رحمه الله تعالى: "وقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَصُمِ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ)... وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام وحقه فيه واجب على الفور؛ فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي. فإن قيل: فينبغي أن يجوز لها الصوم بغير إذنه فإن أراد الاستمتاع بها كان له ذلك ويفسد صومها؟ فالجواب: أن صومها يمنعه من الاستمتاع في العادة؛ لأنه يهاب انتهاك الصوم بالإفساد"، وقد علل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى منع الصيام بقوله: "لأن حق الزوج عليها واجب، والنفل تطوع لا تأثم بتركه، وحق الزوج تأثم بتركه، وذلك أن الزوج ربما يحتاج إلى أن يستمتع بها، فإذا كانت صائمة وأراد الاستمتاع بها، صار في نفسه حرج".
هل النهي خاص بحضور الزوج في بيت الزوجية؟
للقد ذكر الحديث الشريف ضابطًا وقيدًا لمنع صوم الزوجة صيام النفل أن يكون زوجها شاهد، يقول النووي رحمه الله تعالى: "وقوله صلى الله عليه وسلم (وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ)، أي: مقيم في البلد، أما إذا كان مسافرا فلها الصوم، لأنه لا يتأتى منه الاستمتاع إذا لم تكن معه"، فإذا كان تعذر استمتاع الزوج بزوجته بسبب الغياب يبيح تطوعها بالصيام من غير استئذان، فكذلك إذا تعذر الاستمتاع بسبب غير السفر، كمرضه أو صيامه؛ فإنه يبيح للزوجة أيضا التطوع بالصيام من غير استئذان.
هل يشمل المنع إن كان الزوج مريضًا؟
يقول العراقي رحمه الله تعالى: "في معنى غيبته: أن يكون مريضا لا يمكنه الاستمتاع بزوجته، فلها حينئذ الصوم من غير إذنه فيما يظهر"، قال زين الدين الحنفي الرازي في كتابه "تحفة الملوك" في فقه مذهب أبي حنيفة رحمه الله: "ولا تصوم المرأة تطوعا بغير إذن زوجها؛ إلا أن يكون صائما، أو مريضا"، قال بدر الدين العيني رحمه الله تعالى في شرحه: " قوله: "ولا تصوم المرأة تطوعاً بغير إذن زوجها." لقوله عليه السلام: (لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ، إِلَّا بِإِذْنِهِ غَيْرَ رَمَضَانَ) رواه أبو داود.
قوله: "إلا أن يكون صائماً" أي إلا أن يكون الزوج صائما أو مريضا، فحينئذ تتطوع المرأة بغير إذنه، لأن النهي لحاجة الزوج، ولا حاجة في تلك الصورتين".
وعليه، فإنه لا حرج على الزوجة أن تصوم النافلة بغير إذن زوجها إذا كان هو صائمًا.