ها قد اقتربت واحدة من أهم ليالي العام إنها ليلة النصف من شهر شعبان، وهي ليلة لها خصوصيتها وفضلها وعلى المؤمن أن يحرص فيها على الطاعة ويتزود فيها من الإحسان.
فضل ليلة النصف من شعبان:
ورد في فضل ليلة النصف من شهر شعبان عدة أحاديث، منها ما هو صحيح يمكن الاعتماد عليه والاحتجاج به ومنها ما هو ضعيف لا يحتج به.
ومن الأحاديث التي يمكن الاعتماد عليها في فضل ليلة النصف من شعبان ما رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه، فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه" ورواه الطبراني، وحسنه الألباني- رحمه الله- في صحيح الجامع. وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن" رواه ابن ماجه، وابن حبان عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.
من الذين يحرمون من فضل ليلة النصف من شعبان؟
وبالتأمل في الحديث السابق، نجد أن هناك من يحرم من فضل هذه الليلة ولا يرفع له فيها دعاء وهما المشرك والمشاحن، وقد قال عطاء بن يسار: ما من ليلة بعد ليلة القدر أفضل من ليلة النصف من شعبان، يتنزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيغفر لعباده كلهم، إلا لمشرك أو مشاجر أو قاطع رحم.
ومن هنا ينبغي على العبد أن يتحلى بالطاعات التي تؤهله لمغفرة الرحمن، وأن يبتعد عن المعاصي والذنوب التي تحجبه عن هذه المغفرة. ومن هذه الذنوب: الشرك بالله، فإنه مانع من كل خير. ومنها الشحناء والحقد على المسلمين، وهو يمنع المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر الله لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: "أنظروا هذين حتى يصطلحا". رواه مسلم.
أفضل الأعمال في ليلة النصف من شعبان:
وحتى يحقق العبد ما يتمناه ويحوز بالفضل في هذه الليلة العظيمة عليه أولا أن يبتعد عن موانع تحقيق الثواب السابقة إذا فبعد الإيمان بالله سلامة الصدر من أنواع الشحناء بجميع صورها.
وللمؤمن أن يعبد الله تعالى في هذه الليلة بما يشاء من العبادات المشروعة دون تخصيص شيء لم يرد إذ لم يثبت في تخصيص هذه الليلة صلاة معينة، أو دعاء معين، عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه.
حال التابعين في ليلة النصف من شعبان:
لقد أثر عن بعض التابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين أنهم كانوا يحيون ليلة النصف من شعبان بالطاعة ويجتهدون فيها اجتهادًا كبيرا، يقول ابن رجب في لطائف المعارف: (وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر وغيرهم، يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها. وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك فمنهم من قَبِلَه منهم ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز)، وقال ابن تيمية رحمه الله: ( وأما ليلة النصف من شعبان ففيها فضل، وكان في السلف من يصلي فيها، لكن الاجتماع فيها لإحيائها في المساجد بدعة)، وقال الشافعي رحمه الله: بلغنا أن الدعاء يستجاب في خمس ليال: ليلة الجمعة، والعيدين، وأول رجب ونصف شعبان.
صيام ليلة النصف من شعبان:
ومما ينبغي أن يلفت النظر له في عبادة النصف من شهر شعبان هو صيام نهارها لكنه يصام بنية أنه يوم من الأيام البيضاء وهي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، لا على أنه يوم النصف من شعبان، إذ لم يصح حديث الصيام فيها للاحتجاج، بل هو حديث موضوع، وهو قوله (إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلتها وصوموا يومها).. ومن ثم فالصيام إذا يكون بنية مختلفة ويكثر فيها من الدعاء دون ذكر مخصوص.