ينتظر المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بفارغ الصبر حلول شهر رمضان المبارك، لينالوا الأجر العظيم، والثواب الجزيل الذي أعده الله للصائمين والقائمين في هذا الشهر الفضيل.
وحتى ينال المسلم هذا الأجر العظيم، لابد أن يكون مستعداً ومهيئاً نفسه، للقيام بما يقتضيه هذا الشهر من عبادة وتقرب إلى الله. وسنتحدث في هذا المقال عن وسيلة مهمة من هذه الوسائل، ألا وهي الاستغفار.
من المعلوم أن الإنسان مجبول في فطرته على التقصير والنسيان، وهو في ذات الوقت ونظراً لطبيعته البشرية، قابل للخطأ وارتكاب المعصية، وهذا بلا شك أمر طبيعي، يثبته قول النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم» (رواه مسلم).
ونظراً لهذه الحقيقة، جعل الله الباب مفتوحاً للإنسان للتوبة والرجوع إليه، وهذا من تمام فضله، ومظهر من مظاهر رحمته ورأفته بخلقه، بحيث يشملهم بكريم عفوه، وجميل ستره، فقال عز و جل:{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر:53].{إن ربك واسع المغفرة} [النجم:32]
وقد جاء في الحديث القدسي: « يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم» (صحيح مسلم).
لذا فالاستغفار وسيلة من وسائل التقرب إلى الله، والالتجاء إليه، وإظهار الضعف والحاجة إليه، إلى عفوه وستره، وإلى صفحه وكرمه، وكل ما كان العبد دائم الاستغفار، كلما كان أقرب إلى تحقيق ما امره الله به، وكلما كانت نفسه أكثر قرباً من الله، وأكثر تجاوباً مع أوامره ونواهيه.
والاستغفار شرعًا هو: اللجوء إلى الله طلباً للمغفرة والستر، والعفو عن المؤاخذة بالأعمال في الآخرة، ويشترط فيه أن يكون صاحبه نادماً على ما قام به، تاركاً للمعصية، عازماً على عدم العودة إليها، وفي نفس الوقت يرد الحقوق للعباد إن كان الأمر متعلقاً بحقوقهم، بحسب "بصائر".
قال الله تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} [آل عمران:135].
"تكمن أهمية الاستغفار في هذه الأيام المباركة، بتهيئة النفس لهذا الشهر العظيم، حيث تتصف بالنقاء والصفاء، والاستعداد والجاهزية، بحيث يتوب العبد عن معاصيه التي قام بها، فيدخل رمضان وهو أكثر قرباً إليه، مما يعينه على أداء ما افترضه الله عليه"
توبة وصفاء النفس
تكمن أهمية الاستغفار في هذه الأيام المباركة، بتهيئة النفس لهذا الشهر العظيم، حيث تتصف بالنقاء والصفاء، والاستعداد والجاهزية، بحيث يتوب العبد عن معاصيه التي قام بها، فيدخل رمضان وهو أكثر قرباً إليه، مما يعينه على أداء ما افترضه الله عليه.
ومن فوائد الاستغفار العامة، أن ملازمة الاستغفار تؤدي إلى محو الخطايا والأوزار، وتكفير السيئات، قال تعالى: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} [النساء:110].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:« قال الله: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» (رواه الترمذي).
لذا إذا أقلع العبد عن ذنبه، واستغفر ربه سبحانه؛ طهر قلبه، وغسل من أدرانه، وزالت عنه أكداره، قال صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه» (رواه الترمذي وابن ماجة).
ومن فوائد الاستغفار أنه باب لسعة العيش، وزيادة الرزق، والتمتع بالنعم والعطايا، وسبب من أسباب رغد العيش ونيل منافعها، وهذا قاله سيدنا نوح عليه السلام لقومه، في قوله تعالى: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} [سورة نوح: 10-12].
كما أن من فوائد لزوم الاستغفار، زوال الهموم والكربات، وكشف الغموم والضائقات، ونيل الراحة والطمأنينة، والسكينة والهدوء، وهذا كله يتمثل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أكثر من الاستغفار؛ جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب» (رواه أحمد وابن ماجة والحاكم).
"إن من يكثر من الاستغفار، ويلتزم به، يسلك درب الأنبياء عليهم السلام، فهم رغم أن الله قد عصمهم من الخطايا إلا أنهم كانوا يكثرون من الاستغفار".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة». (رواه أبو داود).
وقال أبو هريرة رضي الله عنه واصفا حال النبي صلى الله عليه وسلم: ما جلست إلى أحد أكثر استغفارا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روي عن النيي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يستغفر الله في الصباح والمساء، وعقب الصلوات المفروضة، وفي أوقات السحر، وغير ذلك من الأوقات.
فعن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" قال: «ومن قالها من النهار موقنا بها، فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة» (رواه البخاري).
ولأهمية الاستغفار، فقد علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نحرص على الاستغفار في جميع أحوالنا حتى في ختام مجالسنا، فقال صلى الله عليه وسلم: «من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك» (رواه الترمذي).
اقرأ أيضا:
ليست كلها ضدك.. أسباب تحول بينك وبين استجابة الدعاءاقرأ أيضا:
دعوا الله بدون تكلف.. لن تتخيل جوائز السماء