انتهى شهر رمضان، ووقف الزارعون على أبواب الحصاد يحصدون ثمار الخير من المغفرة والرحمة والعتق من النيران، فهل سألت نفسك ماهو أثرك من ثمرات هذا الشهر الكريم، وهل أثرت فيك أخلاق الصائمين؟.
فقد فرض الله علينا الصيام في رمضان ليقربنا إلى التقوى وليدخلنا فيها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وكظم الغيظ والعفو عن الناس من أساسيات التقوى التي يهدف إليها الصيام.
فقال تعالى عن البذور التي نزرعها في هذا الشهر وننتظر حصادها نهايته: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
وعلّمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف نتخلق بأخلاق الصائمين، حال اشتد علينا الشيطان، ونفخ في صدورنا، فقال النبي حال شتمك أحد أقران الشيطان أو أراد أن ينال من صيامك : “من سابه أحد في نهار رمضان فليقل إني صائم، إني صائم”؛ وذلك كي نصبر ونملك أنفسنا، فلا نردّ على المسبة بمثلها، ولا ندخل في شجار أو مشادة، فالصائم في عبادة، والعابد وقت العبادة يترفع عن أن يردّ على من يشتمه أو يشاده.
وفي رمضان تتحسن أخلاق المتقين، لكن بعضنا يصبح نكد المزاج، ويغضب لأتفه الأسباب، ولا يبدي أي استعداد لتحمل الناس، ولا يقوم على خدمتهم، حتى لو كان ذلك مهنته ووظيفته، فهو صائم ولا صبر لديه، ثم إنه يقل إنتاجه في عمله إلى حد كبير، لأنه كما يقول: صائم! فهل يا ترى يتسبب الصيام بكل هذا؟ وكيف يتسبب بذلك، وكظم الغيظ والعفو عن الناس من أخلاق التقوى وأين الخلل إذن؟.
صحيح أن الجوع والعطش قد يجعلان الإنسان عصبي المزاج قليلاً، وذلك إذا اشتدا كثيرًا، وهذا لا ينطبق على الصائم، بل على ضعيف النفس الذي تبدأ عصبيته وكسله منذ الصباح، ولا يمكن للصائم أن يحتج بالجوع والعطش منذ الصباح، ليبرر سوء خلقه مع الناس، إن السبب الحقيقي لسوء أخلاق بعض الصائمين في رمضان هو أنهم يجدون العذر والمبرر بأنهم صائمون كي يظهروا أخلاقهم السيئة ويعبروا عنها، ويمارسوها وهم مطمئنون إلى أن المجتمع سيتحمل سوء أخلاقهم، ويغفر لهم ذلك، فهم صائمون، وعلى الناس تحمل طباعهم السيئة، مقابل أنهم تكرّموا علينا فصاموا.
أخلاق الصائمين
آثار الصوم في حياة المسلم كثيرة جدا، مثل الصبر، وتذكر أحوال الفقراء والمحتاجين، فعندما يمس الجوع والعطش الصائم، يدفعه ذلك إلى مساعدة أولئك المحتاجين....لكن تلك الآثار مهما كثرت وتعددت ترجع إلى أصل واحد من آثار الصيام، وهو تقوى الله التي يثمرها الصيام في نفس الصائم، فإذا تحقق له هذا الأصل، تحققت له جميع الآثار المتفرعة عنه.
فالحكمة من تشريع الصوم هي أن يكتسب الصائم منه تقوى الله تعالى، التي تدفعه إلى طاعة الله وتحجزه عن معاصيه.
فعلى المسلم الصائم أن يختبر نفسه، وهو يؤدي هذه الفريضة العظيمة، هل اكتسب من صومه تقوى ربه، فحافظ على طاعته بفعل ما أمره به، وترك ما نهاه عنه؟.
فإن وجد نفسه كذلك، فليحمد الله، وليستمر في سيره إلى ربه جادا في طلب رضاه عنه. وإن وجد غير ذلك، فليراجع نفسه ويجاهدها على تحقيق ما شرع الصوم من أجله، وهو تقوى الله، فقد بين الله سبحانه وتعالى أن القرآن العظيم، لا ينتفع به ويهتدي بهداه إلا المتقون.
حقيقة التقوى
الصيام يثمر التقوى، لما فيه من إلزام الإنسان نفسه بطاعة ربه في اجتناب المباحات التي أصبحت محرمة عليه، بعد شروعه في الصيام.
وحقيقة التقوى، امتثال أمر الله بفعله، وامتثال نهيه باجتنابه والمؤمن عندما يدع ما تشتهيه نفسه من المباحات والطيبات، طاعة لربه سبحانه، يكون أكثر بعدا عما هو محرم عليه في الأصل، وأشد حرصا على فعل ما أمره الله به.
وقد دل الحديث الصحيح على أن الله تعالى شرع الصيام ليثمر في الصائم هذا الأصل، وهو تقواه، وأن الذي لا يثمر فيه صومه التقوى يعتبر عاطلا عن حقيقة الصيام، ولو ترك طعامه وشرابه... كما روى أبو هريرة رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
ثمرات رمضان
على قدر استفادة الإنسان من شهر رمضان ونجاحه في الانصهار به، فإن ثمرات ذلك وبركاته وأنواره تستمر معه لأطول فترة ممكنة إن لم أقل العمر كله فيبقى مراقباً لنفسه، متابعاً لهمساتها، مدققاً في حركاتها وسكناتها، حذراً من وساوسها وإيحاءاتها، فالطريق طويل، والمنعطفات فيه كثيرة، والالتواءات فيه مخيفة، والسير في غفلة وشرود قد يجعل نهاية الطريق ظلاما ورعبا.
وفي رمضان تظهر أخلاقه على الصائم، فتتجلى عنها فضيلة الإحسان برقابة الله عز وجل، وهو المقام الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عنه فقال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.