لا تجد نشاط لجان تقصي الحقائق التي تجلس على المقاهي وعلى أبواب البيوت وفي الحارة، أنجح بمثل نشاطهم في الشر، حينما يعرفون ماذا أكل جارهم وكم أنفق، ولماذا تشاجر مع زوجته، وبكم اشترى فاكهة لأولاده، وكم تفاحة أكلوا ليلة أمس، في حين تراهم من أكثر الناس فشلا في تقصي حقائق الفقراء أو الإحساس بمرض المعدمين واحتياجاتهم، حتى أن بعض جيرانهم قد يموت معدما لأنه لنم يجد من ينقذه بشراء الدواء أو المساهمة في إجراء عملية جراحية تتوقف عليها حياته.
فكم من فقير يحتاج طعام ابنه، وصرخت أطفاله للجوع، ولم يشعر بهم أحد من جيرانهم، وكم من مريض تأوه لألمه ولم يشعر به أحد، أو يسأل عنه، وكم من شيخ مات كمدا لعدم استطاعته تجهيز ابنته التي يتقدم لخطبتها الشباب، ولكنه يعجز عن أن يشتري لها شيئا مما تحتاجه للزواج، وكم من امرأة ساومها الانتهازيون الحقراء على شرفها، لأنها لم تجد من يصون عرضها ويعفها بتقديم يد العون ومساعدتها على تربية أيتامها.
وفي هذا ذنب عظيم، بل ربما يفتقد به المسلم كمال إيمانه وإسلامه، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به".
ويتحققُ بالزكاة جملة أهداف هي:
1- الزكاة تُطَهر صاحبها من الشُّح وتُحرِّرُه من عُبوديَّة المال، وهذان مَرضان من أَخطر الأمراض النَّفسية التي يَنحطُّ معها الإنسان ويشقى، ولذلك قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِه فأولئك هُمُ المُفلِحُون} [سورة الحشر: 9]، وقال صلى الله عليه وسلم: “تَعِسَ عَبدُ الدِّرهَم، تَعِسَ عبد القَطيفَة…” رواه البخاري.
2- الزَّكاة تدريبٌ على الإحسان والإِنفاق في سَبيلِ الله، وقد ذَكر الله تعالى الإِنفاق في سَبيل الله على أنَّه صفةٌ ملازمة للمتَّقين في سرّائهم وضَرّائهم، في سِرّهم وعَلَنهم، وَقَرنها من أَهمّ صفاتهم على الإِطلاق… قَرنها بالإِيمان بالغيب والاستغفار بالأَسحار، والصَّبر والصدق، والقُنوت، ولا يَستطيع الإِنسان الوصول إلى الإِنفاق الواسع في سَبيل الله، إلاّ بعد أن يعتادَ أداء الزكاة، وهي الحدّ الأَدنى الواجب إنفاقه.
3- والزَّكاة شكرٌ لنعمة الله، وعلاجٌ للقلب من حُبِّ الدنيا، وتزكية للنفس. قال تعالى: { خُذْ من أموالِهم صَدَقةً تُطَهِّرهُم وتُزكِّيهم بها… } [التوبة: 103]، كما أنّها تزكية للمال نَفسه ونماءٌ له، قال تعالى: {وما أَنفَقْتُم مِن شَيْءٍ فهُوَ يُخلِفه وهو خَير الرَّازقين} [سبأ: 39].أعلى
الزكاة بالنِّسبة للفقير:
1- الزَّكاة تحرر آخذها من الحاجة، سواء كانت مادّية – كالمأكل والملبس والمسكن – أو كانت حاجةً نفسية حَيوية – كالزواج – أو حاجة مَعنوية فكرية ككتب العلم؛ لأنَّ الزكاة تُصرف في جَميع هذه الحاجات، وبذلك يَستطيع الفَقير أن يشارِك في واجباته الاجتماعية، وهو يَشعر أنَّه عضوٌ حي في جسم المجتمع، بدل أن يظل مشغولاً بالسَّعي وراء اللُّقمة مستغرَقاً بهموم الحياة.
2- والزَّكاة تطهِّر الفقير من داء الحَسد والبَغضاء؛ لأن الإِنسان الفقير المحتاج حين يرى مَن حوله من النّاس يَعيشون حياة الرَّخاء والتَّرف، ولا يَمدُّون له يَد العون، فإنَّه قلما يَسلم قلبه من الحسد والحقد والبغضاء عليهم وعلى المجتمع كله. وهكذا تنقطع أواصر الأخوة، وتذهب عواطف المحبة، وتتمزق وحدة المجتمع.
اقرأ أيضا:
8فضائل للنهي عن المنكر .. سفينة المجتمع للنجاة ودليل خيرية الأمة الإسلامية ..تكفير للذنوب ومفتاح عداد الحسنات الزكاة وآثارها في المجتمع:
من مزايا الزكاة في الإسلام أنها عبادة فردية ونظام اجتماعي في آن واحد، وهي كنظام يحتاج تنفيذه إلى موظفين يَقومون بجبايتها من الأَغنياء، وتوزيعها على مصارفها الشرعية، وهؤلاء هم العاملون عليها، الذين يتقاضون أجورهم منها. ولأن الزكاة جزء من تنظيم المجتمع الإسلامي كان لها آثار كثيرة في هذا المجتمع، نوجزها بما يلي:
وللزكاة دور مهم في تَنشيط الحركة الاقتصادية؛ لأن المسلم إذا كَنز ماله فهو مضطر لأن يدفع الزكاة عنه بمقدار أدناه 2.5% كل سنة، مما يؤدي إلى نفادِه. لذلك فهو حريص على الاتِّجار به حتى يؤدي الزكاة من أرباحه وبذلك يخرج المال من الكنز إلى التَّداول، وتنشط الحركة الاقتصادية، وتستفيد الأمّة كلها من أموالها جميعاً.
ومن أهداف الزكاة أنها تؤدي إلى تقليل الفوارق بين الناس. إن الإسلام يُقر التفاوت في الأرزاق؛ لأنّه نتيجة للتَّفاوت في المواهب والطَّاقات، ولكنه يرفض أن يصير الناس طبقتين، واحدة تَعيش في النعيم، وأخرى في الجحيم، ويحرص على أن يشارك الفُقراء الأغنياء في النعيم، ويحرص على تَمليكهم ما يسدُّ حاجاتهم جميعاً. والزَّكاة إحدى الوسائل الكثيرة التي يَستعملها الإسلام لبلوغ هذه الغاية.
وللزكاة دَور كبير في القَضاء على التَّسوُّل، وفي التَّشجيع على إصلاح ذات البين، ولو اضطر المصلحون إلى تَحمل أعباء مالية، لأنها يمكن أن تؤدى من الزكاة.
وللزَّكاة دور كبير أيضاً في تَشجيع الشَّباب على الزواج، عن طريق مساعدتهم على تكاليفه، وقد قرر الفُقهاء أن الذي لا يستطيع الزَّواج بسبب فقره يعطى من الزَّكاة ما يُعينه على الزّواج لأنه من تَمام الكِفاية.