مرحبًا بك يا عزيزي..
لاشك أن التقرب إلى الله والحرص على عبادته والمواظبة على أداء الصلوات، وقراءة القرآن، وصوم النافلة، والذكر، والدعاء، والقيام بالفرائض، مما يحمد لأي مسلم.
وهنا فيما يتعلق برسالتك يا عزيزي هناك شقان، أحدهما متعلق بوالدك، والآخر متعلق بك.
أما ما يخص والدك، فليس من حقك يا عزيزي متابعته في طاعته لله، وأدائه الفرائض والنوافل، ولا إلزامه ولا زجره ولا توبيخه، ولا إشعاره بالتقصير ولا الإنتقاص، ولا محاسبته، أو مراقبته، ليس من حقك أن تقتطع لنفسك هذا الحق الذي هو لله وحده معه.
أحسب أنك بفعلك هذا تنفره من الدين بدلًا من أن تحببه إليه يا عزيزي.
أنت "ابن" وهو "أب"، والتزامن القيام بـ "حدود" الـ "دور" مهم، وضروري، أما أنت تتحول إلى أب لوالدك تسأله عن القيام بفرائض الدين، وتحاسبه، وتشعره بأنك أفضل منه بشكل ضمني أو علانية فهو مرفوض تمامًا، وليس من الدين في شيء، ولا مطلوب منك اجتماعيًا بحسب دورك كإبن.
إلتزام الأدوار في الحياة مهم يا عزيزي حتى لا تفسد العلاقات، وتتشوه الشخصيات، ويحل الخراب على الحياة.
لقد وقفت طويلًا أمام عبارة " كما أنني متدين ووالدي يهمل الدين و شرائعه، ويهتم بالدنيا وأمورها، وهذا يضايقني بشدة"، فما معنى "أمور الدنيا" لديك، ومن قال أن الاهتمام بترتيب شئوننا الدنيوية ليس من الدين؟، بل كيف يمكننا أن نحسن العبادة بدون إصلاح دنيانا واعتبار هذا الاصلاح من العبادة؟!
الدنيا يا عزيزي، والشئون الدنيوية ليست مذمومة لذاتها، وإنما لو ألهت عن عبادته سبحانه فقط، وفيما عدا هذا فمحمود الانشغال بإصلاحها، وترتيبها، وعمرانها.
الدين والدنيا يا عزيزي ليسا ضدان، ولعل هذا من الأفكار الدينية الخاطئة التي شاعت في السنوات الأخيرة، وأضر كثيرًا بالمسلمين، وحياتهم، وما هي من الدين في شيء.
أما ما يخص تدينك يا عزيزي فلاشك أنني أحييك لتوجهك إلى ربك، وأحمد الله أن أبعدك عن طرق الفساد الاخلاقي، والعوار النفسي، التي غالبًا ما تكون الملجأ للشباب والشابات من مثل عمرك خاصة لو كانت علاقتهم بوالديهم أو أحدهم مضطربة هكذا.
ما حدث لك من إساءات جسدية ونفسية من والدك يا عزيزي في طفولتك أنت لست مسئولًا عنه، وبالطبع قلبي معك، فما فعله والدك قاس، ومسيء، ومؤذي نفسيًا بالفعل، لذا لابد من أن تتعافى منه.
أنت لم تكن مسئولصا عما حدث لك من إساءات، ولكنك الآن مسئول عن التعافي منها.
هذه يا عزيزي هي خطوتك الأولى قبل التدين!
نعم، فتدينك وأنت متعاف ومتزن نفسيًا مختلف تمامًا عن تدينك وأنت غير ذلك.
سيصحح التعافي علاقتك مع ذاتك، ويمحو التشوهات التي سببتها الإساءات، وستصبح نسخة أفضل من نفسك، ومن ثم أفضل في الوعي، والنضج، والقرب من الذات، والقرب من الله أيضًا وستنعدل علاقتك بوالدك.
ستستقبل الطاعة يا عزيزي بعد التعافي النفسي بشكل مختلف، أفضل، كما أرادها الله وترضيه، وهكذا كل شيء في الحياة، حتى نظرتك للناس، والدنيا، وحياتك، وأهلك، ومستقبلك، ولن يبقى تدينك مشكلة لوالدك ولا أي أحد، ولا عدم تدين والدك – من وجهة نظرك الحالية- مشكلة لك.
سيعلمك التعافي يا عزيزي كيف تتعامل مع مشاعرك بشكل صحي فلا تكتمها ولا تنكرها، وسيعلمك التفهم، والقبول للذات والآخرين.
سارع يا عزيزي في إلتماس التعافي من الإساءات بطلب المساعدة من معالج أو مرشد نفسي، فهذا حق نفسك عليك، وستسأل عنه أمام الله.
ودمت بكل خير ووعي وسكينة.
اقرأ أيضا:
أصبت بالاكتئاب بعد وفاة أمي وتعالجت لكنني انتكست .. ما العمل؟اقرأ أيضا:
والدي يقول لي أنني ملكية خاصة به وأجبرني على خدمته منذ طفولتي.. ما الحل؟