يقول الله تعالى في سورة "الزخرف": (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36].
بين الله عز وجل لنا أن معيته جل وعلا تسير في طريق مضاد لطريق الشيطان، وأن الباب الوحيد الذي يدخل منه المؤمن في معية الله هو باب الذكر وقراءة القرآن، فإذا ما فتح المؤمن هذا الباب بذكر الله والسعي للسير في معيته، انصرف عنه الشيطان، ولم يعرف له طريقا، في حين يكون الشيطان قرينا ملازما للإنسان حال ابتعد المؤمن عن الذكر، فذكر الله له شأن عظيم وفضل كبير يكفى أن الذاكرين لله يباهى بهم الملائكة فى الملأ الأعلى.
وورد أَنَّ مُوسَى عليه السلام لَمَّا نَاجَى رَبَّهُ قَالَ« يَا رَبِّ َ بَعِيدٌ أَنْتَ مِنِّى فَأُنَادِيَكَ أَمْ قَرِيبٌ فَأُنَاجِيَكَ ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِى فَقَالَ مُوسَى : يَا رَبِّ إِنِّى أَكُونُ فِى حَالٍ أُجِلُّكَ أَنْ أَذْكُرَكَ فِيهَا ؟ قَالَ: يَا مُوسَى اذْكُرْنِى عَلَى كُلِّ حَالٍ ».
ويقول ابن عباس ما فرض الله فريضة إلا وعذر أهلها فى حال العذر إلا الذكر فإن الله لم يعذر بتركه أحدا، فذكر الله عز وجل من الأمور التى تدل على قرب العبد من ربه ودليل على محبته .
وقد أمر الله تعالى عباده بذكره وجعله باباً لرضاه لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً) وقوله ايضا «والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً».
اقرأ أيضا:
أعظم وصية نبوية..وسيلة سهلة لدخول الجنةالغفلة فرصة شيطانية
وينبه ربنا عز وجل أن الغفلة فرصة شيطانية، فالمؤمن الذي يترك شرفه من خلال التمسك بذكرالله هو يعطي فرصة للشيطان لكي يسيطر عليه، فإذا ما دخل الشيطان وتملك من الإنسان أصبح أمره خسرا.
قال الله تعالى {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)} [سورة الزخرف: 36-38]
وقوله تعالى: { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } وقرأ ابن عباس وعكرمة { وَمَنْ يَعْشَ } بفتح الشين، ومعناه يعمى؛ أي يتعامى ويتغافل ويعرض ، وهذه الآية تتصل بقوله تعالى أول السورة: { أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا } [سورة الزخرف: 5] أي نواصل لكم الذكر؛ فمن يعش عن ذلك الذكر بالإعراض عنه إلى أقاويل المضلين وأباطيلهم { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا } أي نسبب له شيطانًا جزاءً له على كفره، والمعنى يُعرض عنه أو يتعامى ويغفل عنه، ولأنه غفل عن شيء هام لا ينبغي أن يغفل عنه أو يعرض يعاقبه الله.
وقوله { فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } قيل في الدنيا، يمنعه من الحلال، ويبعثه على الحرام، وينهاه عن الطاعة، ويأمره بالمعصية؛ وهو معنى قول ابن عباس. وقيل في الآخرة إذا قام من قبره؛ قال سعيد الجريري. وفي الخبر : أن الكافر إذا خرج من قبره يشفع بشيطان لا يزال معه حتى يدخل النار، وأن المؤمن يشفع بملك حتى يقضي الله بين خلقه.
وعن ابن عباس { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } أي ملازم ومصاحب. قيل: يعني ملازم له يضله ويوسوس له، { فَهُو} كناية عن الشيطان؛ على ما تقدم. وقيل عن الإعراض عن القرآن؛ أي هو قرين للشيطان. { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ } أي وإن الشياطين ليصدونهم عن سبيل الهدى، { وَيَحْسَبُونَ } أي ويحسب الكفار { أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } وقيل : ويحسب الكفار إن الشياطين مهتدون فيطيعونهم.
قوله تعالى: { حَتَّى إِذَا جَاءَنَا } يعني الكافر يوم القيامة. وقيل: يعني الكافر وقرينه وقد جعلا في سلسلة واحدة؛ فيقول الكافر: { يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ } أي مشرق الشتاء ومشرق الصيف، كما قال تعالى: { رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ } [سورة الرحمن: 17] ونحوه قول مقاتل. وقراءة التوحيد وإن كان ظاهرها الإفراد فالمعنى لهما جميعا؛ لأنه قد عرف ذلك بما بعده.
غشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة
ولكن الذكر يعين على الطريق ويدخلك في المعية الإلهية، وسبب فى جلب الخير ورفع البلاء لقوله تعالى: «فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا وقوله تعالى « فلولا أنه كان من المسبحين للبث فى بطنه إلى يوم يبعثون» .
كما أنه فوائد الذكر كذلك أنه يزيل الهم والغم عن القلب ويجلب له الفرح والسرور، وينبه القلب ويوقظه من نومه، قال تعالي: ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) فالذكر لذة قلوب العارفين.
قال مالك بن دينار: "ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله، قلوب المحبين لا تطمئن إلا بذكره وأرواح المشتاقين لا تسكن إلا برؤيته، وقال تعالي: (ولا تقولن لشيء إنى فاعل ذلك غدًا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدينى ربى لأقرب من هذا رشدًا).
كما أن الذكر سبب تنزيل السكينة، والرحمة، ومجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشياطين، فليتخير العبد أعجبهما إليه وأولاهما به، فهو مع أهله فى الدنيا والآخرة، ففى الحديث أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: (لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده)إلى غير ذلك من الفضائل والثمرات.