لايضاهي أحد الطيبين، الذين وعدهم الله عز وجل بالخير يوم القيامة لطيبة قلوبهم وطهارة صدورهم ونقاء سريرتهم، وبشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى يحرم أجسادهم على النار.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بمن يحرم على النَّار، وبمن تحرم النَّار عليه؟ على كلِّ هيِّن ليِّن قريب سهل )) .
الطيبون لهم الدرجات العلى
والرجل الطيب قد يختلف حاله.. فيكون أحيانا أكثر انشراحا، وأحسن بشاشة تبعا لما يمر به من أقدار، وقد لاحظ الصحابة رضي الله عنهم ذلك مرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم: نراك اليوم طيب النفس؟فقال: "أجل، والحمد لله". ثم أفاض القوم في ذكر الغنى، فقال: " لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى، وطيب النفس خير من النعيم".(صحيح سنن ابن ماجة).
وتطييب قلوب عباد الله من علامات طيب القلوب، فقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يؤدون إلى الناس حقوقهم ـ وافية زائدة ـ بقوله: " أولئك خيار عباد الله عند الله يوم القيامة:الموفون المطيبون".
وأقصر طريق إلى القلوب الكلمة الطيبة: " اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم يكن فبكلمة طيبة". وقد وصف الله الصالحين من عباده بقوله: { وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد}(الحج: 24).
اقرأ أيضا:
البلاء لا يعني أن الله يكرهك.. بل يحبك وهذا هو الدليلمن هو السهل القريب؟
يقول العلماء إن الـ ((قريب)) أي: من النَّاس بمجالستهم في محافل الطَّاعة، وملاطفتهم قدر الطَّاعة.
والـ((سهل)) أي: في قضاء حوائجهم، أو معناه: أنه سمح القضاء، سمح الاقتضاء، سمح البيع، سمح الشِّراء) .
ولذلك تحرم النار على ((تحرم على كلِّ قريب)) أي: من النَّاس بحسن ملاطفته لهم.
والهينون اللينون، ((هيِّن ليِّن)) قال عنهم النبي صلى الله عليه سولم في حديث أخر فيما ورد عن النُّعمان بن بَشير رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى )) .
ففي هذا الحديث: تعظيم حقوق المسلمين، والحضُّ على تعاونهم، وملاطفة بعضهم بعضًا .
- وعن معقل بن يسار رضي الله عنه، قال: ((جاء رجل إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنِّي أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: لا. ثم أتاه الثَّانية فنهاه، ثم أتاه الثَّالثة، فقال: تزوَّجوا الوَدُود الولود؛ فإنِّي مكاثر بكم الأمم )) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله! إنَّ لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأَحْلُم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنَّما تُسِفُّهم الملَّ ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك )) (.
فأيَّده النَّبي صلى الله عليه وسلم على تودُّدِه إليهم، وإن لم يجد منهم مقابلًا لما يقوم به، إلَّا الإساءة إليه.
- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((أنَّ رجلًا من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله. وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه، فقيل له: أصلحك الله! إنَّهم الأعراب، وإنَّهم يرضون باليسير. فقال عبد الله: إنَّ أبا هذا كان وُدًّا لعمر بن الخطَّاب، وإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ أبَرَّ البِرِّ: صِلَة الولد أهل وُدِّ أبيه )) .
وإن الملائكة لتستقبل أرواح الطيبين: { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم...}الآية(32 سورة النحل).
وقد قال صلى الله عليه وسلم : "الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل صالحا قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان، ورب راض غير غضبان، فلا يزال يقال لها حتى تخرجُ ثم يعرج بها إلى السماء فيفتح لها، فيقال من هذا؟ فيقولون: فلان. فيقال: مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان، ورب راض غير غضبان،فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل".
وعلى أبواب الجنة يقال لأهل الطيبة: { ...سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} (الزمر:73)بعد أن أحياهم الله الحياة الطيبة في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح.
يقول العلماء إن غلبة التعامل بالطيبة، ونقاء المجتمع من الخبث، حصانة من غضب الله تعالى وانتقامه، ولذلك تساءلت زينب بنت جحش: أنهلك وفينا الصالحون؟ فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم، إذا كثر الخبث". قال ابن العربي: وفيه البيان بان الخيِّر يهلك بهلاك الشرير إذا لم يغير عليه خبثه.
فالطيب نقي القلب سليم السرية حسن الظن بالناس ، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس".
ولا يغرنك ما يلصقه الخبثاء بالطيبين : من صفات الغفلة ، وضعف العقل، وقلة الحيلة والهوان على الناس. فلأن تكون مقبولا عند الله خير لك من أوسمة الدهاء والحيلة والخبث.