مولد الرسول الأعظم محمد بن عبدالله كان يومًا فارقا في تاريخ البشرية، حيث ولد أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام، فكان بشيرا ونذيرا وداعيا للخير بأمر الله عز وجل، وكانت بعثته الشريفة إنقاذًا للبشرية من الضلال والكفر.
وكانت تسمية النبي عليه الصلاة والسلام قبل مولده بسنين طويلة، فقد ذكر اسمه في التوراة والإنجيل ” أحمد”، وقد رأى جده عبدالمطلب في المنام رؤية، وفي أقوال أخرى فإن السيدة أمنة قد رأت رؤيا تخبرها بحملها وتأمرها بتسمية ابنها باسم محمد.
وكان نسب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ينتهي إلى سيدنا إسماعيل بن سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، واسمه” محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة”، وأمه هي أمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة”.
وينتسب الرسول صلي الله عليه إلي عائلة عريقة فقد كان جده عبدالمطلب من سادات قريش، قد نذر أن يذبح أحد أبنائه إذا رزقه الله بعشرة أبناء أمام الكعبة قربانًا لربه، قام بعمل قرعة ليختار واحد من أبنائه ليذبحه فكتب أسماءهم واحد واحد واختار منهم واحدا، فوقعت القرعة على عبدالله وقد كان أصغر أبناء عبدالمطلب وأحبهم إلى قلبه.
وفي هذه اللحظة هم عبدالمطلب بذبحه لكن أخواله نصحوه ألا يفعل ذلك، وطلبوا منه الذهاب إلى عرافة لتدله على مخرج، فأخبرته أن عليه أن يقرع بين ابنه وبين عشرة من الإبل، فإذا أقرعت على عبدالله عليه أن يزيد عشرة أخرى، فظل عبد المطلب يقرع مرة تلو الأخرى فتأتي النتيجة بذبح ابنه حتى وصل العدد إلى مائة من الإبل، فافتدى عبدالمطلب ابنه بمائة من الإبل، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام على نفسه” أنا ابن الذبيحين” يقصد سيدنا إسماعيل عليه السلام وأبيه عبدالله.
والد النبي عبدالله بن عبدالمطلب تزوج من ابنة عمه وأشرف نساء زمانه أمنة بنت وهب وهو في الخامسة والعشرين من عمره، لكنه لم يحضر ولادة النبي، فقد كان تاجرا يسافر في رحلات إلى بلاد الشام، وبينما كانت السيدة أمنة حاملًا سافر في رحلة للشام، وعند عودته أصابه المرض الشديد، فتوقف عند أخواله من بني النجار في المدينة المنورة حتى يشفى، وبعد شهر أرسل عبدالمطلب أحد أبنائه للسؤال عن عبدالله فوجده قد توفي .
وفي ظل هذه الظروف الصعبة ولد النبي عليه الصلاة والسلام في يوم الاثنين في الليلة الثانية عشر من شهر ربيع الأول، وقد ولد في عام الفيل، وهو نفس العام الذي توجه فيه أبرهة الحبشي وجنوده إلى مكة لهدم الكعبة، لكن الله أرسل عليهم طيرًا أبابيل تقذفهم بحجارة من سجيل وأبادهم المولى عز وجل، ويقال أن النبي عليه الصلاة والسلام ولد بعد يوم الفيل بخمسين يومًا.
وقد ارتبط مولد النبي بعدد من العلامات المهمة انطلاقا من أن الأحداث العظيمة تسبقها علامات عظيمة، فقد ظهرت عدة علامات رواها عليه الصلاة والسلام نفسه.
أول العلامات كانت تتمثل في أن الله سبحانه وتعالى قد بشر الأنبياء السابقين بقدوم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فإن أحبار اليهود الذين عاشوا بالمدينة قد رأوا علامات مولده صلى الله عليه وسلم وتعرفوا عليها.
ومن العلامات ايضا أنه كان هناك رجل بمكة يدعى زيد بن عمرو بن نفيل، وكان زيد غير مقتنع بعبادة الأصنام لأنها حجارة لا تنفع ولاتضر فخرج زيد من مكة يبحث عن الحق في الفيافي والوديان، حتى وصل إلى الشام، وهناك قابل حبر من أحبار يهود الشام، فطلب منه أن يعود لمكة لأن نبيًا قد خرج فيها، وأنه قد رأى نجمه.
وقد روى حسان بن ثابت رضي الله عنه، أنه يوم مولد النبي كان ابن سبع سنين، وكان يعيش بيثرب، فسمع في ذلك الرجل رجل من اليهود يقف على حصن ويصرخ بأعلى صوته، يا معشر اليهود، فلما اجتمعوا أمامه قالوا له ” ويلك مالك” فقال ” طلع نجم أحمد”.
وكان من بين العلامات التي ظهرت يوم ميلاد رسول الله صلى لله عليه وسلم، أن أمه أمنة بنت وهب، قد رأت أن نورًا يخرج منها أضاء قصور الشام، كما ذكرت السيدة أمنة أن ميلاد الرسول عليه الصلاة والسلام كان سهلًا يسيرًا وأنها لم ترى من التعب ما تراه النساء، كما أن فاطمة بنت عبدالله كانت حاضرة مع السيدة أمنة وقت ولادتها فرأت كل شيء حولها نورًا، وأنها عندما نظرت للنجوم كانت تدنو حتى ظنت أنها ستقع عليها من السماء.
وقد ولد عليه الصلاة والسلام وهو يشير بإصبعه كالمسبح لله عز وجل.
وفي هذه الأجواء ولد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يتيمًا فتولى جده عبد المطلب رعايته، وكان أول من أرضعه هو جارية لعمه أبو لهب تسمى ثويبة، ثم أرسله جده مع حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية، وهي مرضعة من بادية بني سعد، وكان من عادة سادات قريش إرسال أبنائهم مع مرضعات من البادية ليصبحوا أشداء وأقوياء البدن ويكتسبوا فصاحة اللسان.
وبمجرد أن تولت السيدة حليمة السعدية رعاية النبي امتلأ ثديها بالحليب، فارتوى النبي عليه الصلاة والسلام وابنها، كما أن ماشيتها امتلأت بالحليب بعد أن كانت ضروعها يابسة.
وكانت راحلة حليمة هزيلة وبطيئة، لكنها بمجرد أن حملت النبي وسارت به أصبحت قوية وسبقت كل الركبان، كما أن أغنامها كانت كلما تحل بموضع تجد فيه العشب والمرعى.
اقرأ أيضا:
أول جمعة بالمدينة.. ماذا قال فيها النبي؟ولما حان موعد فطام النبي عليه الصلاة والسلام، وعودته لمكة، حاولت حليمة السعدية إقناع والدته أن تتركه معها في بادية بني سعد بحجة أنها كانت تخشى عليه من الوباء في مكة، لكنها كانت ترجو أن تستزيد من بركته، وظلت حليمة تلح على أمه حتى أعادته معها، وظل معها حتى سن الرابعة والخامسة، حتى حادثة شق صدر النبي، فخشيت السيدة حليمة عليه فأعادته للسيدة أمنة .
ومن المحطات المهمة في حياة النبي وفاة والداته فعندما كان النبي عليه الصلاة والسلام في السادسة من عمره، ذهب مع أمه لزيارة أخواله من بني عدي بني النجار، وكان معها أم أيمن، فنزلت في دار النابغة عند قبر زوجها عبدالله بن عبدالمطلب، وظلت عند أخواله شهرًا، وعند عودتهم توفيت بالأبواء، فعادت به أم أيمن إلى مكة، وكانت أم أيمن تحبه حبًا شديدًا، فاعتنت به حق رعايته، وكفله عمه عبدالمطلب، حتى وفاته عندما كان النبي عليه الصلاة والسلام في الثامنة من عمره