لماذا كتب الله الإحسان في كل شيء.. ضع نفسك مكان غيرك وستعرف الإجابة؟
بقلم |
أنس محمد |
الثلاثاء 30 يوليو 2024 - 09:53 ص
كتب الله سبحانه وتعالى الإحسان في كل شيء، وقد ألف العلماء كتبًا ومجلدات في فضيلة الإحسان، وأسرارها، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي أمرت بهذه الفضيلة، إلا أنه ومع كثرة التفكير في هذه الفضيلة، قد تكتشف أن أغلب الناس لا يتحلون بها، وربما تكون صعبة المنال في تحقيقها، لتجد نفسك أمامها في موقف المهمل لها، والتارك لثوابها، ولكن حينما تتفكر بشكل أكثر عقلانية، تجد أن الإحسان أول ما يصب فسوف يصب في مصلحتك أنت.
فالإنسان بطبعه يحب أن ينال من الخير كل شيء، فإذا ذهبت للجزار أو محل الفاكهة فسوف ترغب في أن يعطيك البائع أفضل ما عنده، وستغضب بشدة إذا ما أعطاك ولو قطعة واحدة غير جيدة، وفي عملك ترغب في الحصول على راتب كبير.
كذلك الناس يحبون مثل ما تحب، لذلك النبي صلى الله عليه سولم قال: "حب لأخيك ما تحب لنفسك".
فأن يحب الإنسان الخير لنفسه ويسعى جاهدا لتحصيل ذلك، فهذا أمر طبيعي وغير مستغرب، ولكن أن يحب الخير للآخرين فهذه مرحلة سامية عظيمة تدل على الإحسان وتأصل الخير في نفس ذلك الشخص، وأنه يحمل بين جنبيه روحا طيبة محبة للخير.
وديننا الحنيف يحث على ذلك وقد ورد في أهمية حب الخير للآخرين آيات وأحاديث كثيرة. ففي محكم التنزيل "إنما المؤمنون أخوة"، فلا مجال للحقد أو الكراهية أو البغضاء أو التشاحن والحسد والقطيعة، وإنما ألفة وتعاون وترابط ومحبة.
فمن المفترض أن يجعل الإنسان من محبة الآخرين والإحسان إليهم وحب الخير لهم منهجا يسير عليه في تعاملاته وفي شؤون حياته كافة، ففي الحديث، "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
وتأخذك الدهشة حين تعلم أنك إن دعوت لأخيك بظهر الغيب هناك ملك يؤمن على دعائك ويقول: "ولك بمثل"، ففي الحديث "ما من مؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك الموكل، آمين ولك بمثله".
لذلك مفتاح السعادة أن تحب الخير للغير لأن التفكير الإيجابي تجاه الآخرين سينعكس مباشرة على صاحبه أنسا وسعادة وتوفيقا، بل إن تأثير ذلك سيمتد ليتجاوز المردود الفردي إلى المردود المجتمعي، فتجد المجتمع الذي يحب أفراده الخير لبعضهم بعضا ويتعاونون على ذلك تنتشر فيه الألفة والمحبة.
لذلك لن يقل الله عز وجل إلا الكمال؛ لذلك تجد المؤمن متميزاً باستقامته، بإيمانه، بصدقه، بورعه، بخوفه من الله، المؤمن محسن بمطلق هذه الكلمة؛ قال تعالى:﴿ وَأَحْسِنُوا ﴾[سورة البقرة:195].
الإحسان في البيت:
ومن أولى الناس بالإحسان أهلك في البيت؛ فيجب أن تكون أباً كاملاً، زوجاً كاملاً، أخاً كاملاً، زوجة كاملة، فالإحسان أن يؤدي الإنسان واجبه بإتقان وبإخلاص:((والمرأةُ راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رَعيَّتها)).
الإحسان في العبادة:
أعظم شيء على المسلم أن يحسنه ويتقنه: عبادتُه لربه. أن يأتي بها على الوجه المشروع دون زيادة ولا نقصان. أن يتقن صلاته وزكاته وحجه وصيامه، أن يحسن في كل قول أو عمل يتقرب به إلى ربه سبحانه.
والطريق إلى ذلك هو ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه عن سؤال جبريل عليه السلام، حين سأله: مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».
"أن تعبد الله كأنك تراه" أن تحسن عملك الذي أمرك به ربك سبحانه، كأنك تراه وهو ينظر إليك؛ فتكون حاضر الذهن، فارغَ النفس، مستجمع القلب، كما لو كنت تشاهد ربك سبحانه، فتستحضر عظمته، وجلاله، وكماله، وجماله. وتستحضر أنك في حاجة إلى رحمته ومغفرته ورضوانه.
الإحسان في القول والعمل:
ما من قول أو عمل يقوم به المسلم إلا ويجب عليه أن يحسنه ويتقنه، سواء كان ذلك في العبادات والطاعات، أو في أمور الحياة. لقوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء". إذ ما من أمر في حياة العباد إلا ولله فيه حكم وشرع. قال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].
فالإحسان واجب في كل شيء؛ في الأقوال والأفعال والأخلاق، والمعاملات... والفساد منهي عنه في كل شيء. قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].
أكثر ما يعين على الإحسان:
1- استشعار العبد لمراقبة الله عز وجل؛ بأن يعلم العبد أن الله عز وجل معه، رقيب عليه، مطلع عليه في كل زمان وفي كل مكان.
واجب على المسلم أن يحافظ على أمانته التي تحملها، وأن يؤدي واجبه الذي أنيط به، بحسن رعايته لعمله، وتطويره، والإسراع في إنجازه، وبذْل الوسع والطاقة في اجتِناب الوقوع في الأخطاء في أداء العمل وإنتاجه، وألاَّ يفرِّق بين عمله في قطاع حكومي أو مؤسَّسة خاصَّة وعمله لخاصَّة نفسه، فهو مُطالَب بإتقان العمل وإجادته وإحسانه سواء كان له أو لغيره.
4- الإخلاص في العمل:
فلا يمكن القِيام بالعمل على أكمل وجهٍ وأحسنه إلاَّ إذا تحقَّق فيه الإخلاص من العامل نفسه؛ فالإخلاص هو الباعث الذي يحفِّز العامل على إتقان العمل، ويدفعه إلى إجادَتِه، ويُعِينه على تحمُّل المتاعب فيه، وبذْل كثيرٍ من الجهد في إنجازه، وتفادي وقوع الأخطاء فيه، فهو بمثابة صمام الأمان ضدَّ الفساد بكلِّ صوره وأشكاله.
5- التعاون في أداء العمل وإنجازه:
التعاون بين عموم المسلمين على البر والتقوى خلقٌ رفيع دعا إليه الإسلام ورَغَّب فيه؛ حيث قال ربنا عزَّ وجلَّ: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾، ويقول نبينا صلَّى الله عليه وسلَّم: «وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ، مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».
6- اجتناب الغش والخداع:
وممَّا يُعِين على إتقان العمل وإحسانه: أن يجتنب المسلم كل شيء يؤدي إلى الغش والمكر والخديعة.فلا غش ولا خداع، ولا إهمال ولا تقصير؛ لأن العمل في الإسلام عبادة، وهو مسؤولية وأمانة، وقد حذر المولى سبحانه وتعالى من خيانة الأمانة، فقال عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27]. كما توعّد سبحانه من يغش الناس أشد الوعيد، فقال عز وجل: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 1 - 6].