عجائب العشق العفيف عند العرب لا تنتهي، وذكرت العرب الكثير من حكايات العشاق، خاصة ما كان ين الأقارب في أحياء العرب.
الشاب وابنة عمه:
ذكر الأصمعي عن أحد شيوخ العرب قال: أقبلت من مكة أريد اليمامة فنزلت بحي من عامر، فأكرموا مثواي، فإذا فتى حسن الهيئة قد جاءني، فسلم عليّ، فقال: أين يريد الراكب؟ قلت: اليمامة.
قال: ومن أين أقبلت؟ قلت: من مكة. فجلس إلي، فحادثني أحسن الحديث ثم قال لي: أتأذن في صحبتك إلى اليمامة؟
قلت: أحب خير مصحوب، فقام، فما لبث أن جاء بناقة كأنها قلعة بيضاء، وعليها أداة حسنة، فأناخها قريبا من مبيتي، وتوسد ذراعها.
فلما هممت بالرحيل أيقظته فكأنه لم يكن نائما، فقام فأصلح رحله فركب وركبت، فقصر علي يومي بصحبته، وسهلت علي وعوث سفري، فلما رأينا بياض قصور اليمامة تمثل بقول عمرو بن كلثوم:
وأعرضت اليمامة واشمخرّت ... كأسياف بأيدي مصلتينا
وهو في ذلك كله لا ينشدني إلا بيتا معجبا في الهوى.
فلما قربنا من اليمامة مال عن الطريق إلى أبيات قريبة منا، فقلت له: لعلك تحاول حاجة في هذه الأبيات؟ قال: أجل! قلت: انطلق راشدا.
فقال: هل أنت موفّ حق الصحبة؟ قلت: أفعل. قال: مل معي! فملت معه، فلما رآه أهل الحي ابتدروه، وإذا فتيان لهم شارة، فأناخوا بنا وعقلوا ناقتينا، وأظهروا السرور، وأكثروا البر، ورأيتهم أشد شيء له تعظيما، ثم قال: قوموا إن شئتم، فقام، وقمت لقيامه، حتى إذا صرنا إلى قبر حديث البناء ألقى نفسه عليه.
يقول ثم أنشد أبياتا من الشعر، فمات بعدها، فأقمت مع الفتيان حتى احتفروا له ودفناه.
فسألت عنه، فقالوا: ابن سيد هذا الحي، وهذه ابنة عمه، وهي إحدى نساء قومه، وكان بها مغرما، فماتت منذ ثلاث، فأقبل إليها وقد رأيت ما آل إليه أمره. فركبت وكأنني والله قد ثكلت حميما.
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟مي الغارة:
كان رجل من بني سليم يقال له عمرو بن مسلم، وكانت له امرأة يقال لها ميّ، وكانت تبغضه، ولم يكن يعلم ذلك وكان من أشد الناس حبا لها.
فدخل عليها ذات يوم، وهي تقرأ في المصحف. فقال: يا مي أسالك بما أنزل الله تعالى في هذا المصحف أتحبينني أو تبغضينني؟
فقالت: لا والله لا أخبرتك إلا أن تعطيني سؤلة أسألكها. فقال: وأي شيء سؤلتك؟ قالت: تجعل أمري في يدي.
قال: نعم، وظن أنها مازحة، قالت: فلا والله وما أنزل فيه ما أحببتك ساعة قط. فلما جعل أمرها بيدها اختارت مفارقته وطلقت نفسها، فكاد يموت أسفا عليها.