يتصف المؤمن بصفتين لا ينفكان عنه هما الصبر والشكر، وقَالَ رَسُولُ الله ﷺ: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ. رواه مسلم.
معنى الصبر:
والصبر معناه حبس النفس عن الجزع، والتصبر: تكلف الصبر، والصِّبر- بكسر الباء- الدواء المر، ويعرّف الغزالي الصبر بأنه (ثبات باعث الدين في مقاومة باعث الهوى).
فضائل الصابرين:
الصبر من الصفات الجميلة التي أمر الله بها عباده أن يتصفوا بها ومن ذلك أن أمر بها نبيه فقال: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ} [النحل 127] وقال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف 35]، كما أمر الله به المؤمنين، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران 200]، وقد نقل عن بعض السلف قولهم: "الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر" لقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.
جزاء الصابرين:
وقد أثنى الله على الصابرين فقال تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة 177، ووعدهم أن يجزيهم أعلى وأوفى وأحسن مما عملوه، فقال تعالى: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل 96]، وقال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر 10].
أنواع الصبر:
الصبر على ثلاثة أنواع: صبر على المأمور وصبر عن المحذور وصبر على المقدور أي المقدر..
والصبر على المأمور هو الصرب على الطاعة حتى يؤديها كاملة له ويصبر على شدتها ويجاهد نفسها، قال تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلهم وإن الله لمع المحسنين".
إما الصبر عن المحذور فهو الصبر عن المعصية ألا يقربها ويجاهد هواه ونفسه في البعد عنها، والثالث هو الصبر على ما قضى الله وقدر من بلاء وهو ركن الإيمان ففي الحديث: والإيمان بالقدر خيره وشره.
فوائد الصبر عن المعصية:
ويعد الصبر عن المعصية شديدًا على النفس ويحتاج لمكابدة ومجاهدة، لكنّ المؤمن يصبر على هذا بدافعين: الخوف من لحوق الوعيد المترتب عليها، والحياء من الرب تبارك وتعالى أن يستعان على معاصيه بنعمه ، وأن يبارز بالعظائم.
ولهذا الصبر فائدتان: فالإبقاء على الإيمان، والحذر من الحرام، والإبقاء على الإيمان يبعث على ترك المعصية؛ لأنها لا بد أن تنقصه، أو تذهب به، أو تذهب رونقه ، وبهجته ، أو تطفئ نوره، أو تضعف قوته، أو تنقص ثمرته. هذا أمر ضروري بين المعصية وبين الإيمان يعلم بالوجود والخبر والعقل، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن . ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن . ولا ينتهب نهبة ذات شرف - يرفع إليه الناس فيها أبصارهم حين ينتهبها - وهو مؤمن . فإياكم إياكم. والتوبة معروضة بعد.
وأما الحذر عن الحرام : فهو الصبر عن كثير من المباح، حذرا من أن يسوقه إلى الحرام .
ولما كان الحياء من شيم الأشراف، وأهل الكرم والنفوس الزكية كان صاحبه أحسن حالا من أهل الخوف؛ ولأن في الحياء من الله ما يدل على مراقبته وحضور القلب معه، ولأن فيه من تعظيمه وإجلاله ما ليس في وازع الخوف.
فمن وازعه الخوف: قلبه حاضر مع العقوبة. ومن وازعه الحياء : قلبه حاضر مع الله. والخائف مراع جانب نفسه وحمايتها. والمستحي مراع جانب ربه وملاحظ عظمته. [ص: 165] وكلا المقامين من مقامات أهل الإيمان .