لو كانت هناك نصيحة هي الأغلى على الإطلاق، لكانت الحكمة المنسوبة للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهي: «دع سرك بين اثنين ..نفسك وربك.. واحرص في الدنيا على رضا اثنين.. أمك وأباك.. واستعن بالشدائد باثنتين الصبر والصلاة.. ولا تخف من اثنين الرزق والموت.. لأنهما بيد الرحمن.. واثنتان لا تذكرهما أبدًا إحسانك للناس وإساءة الآخرين إليك.. واثنتان لا تنسهما أبدًا.. الله والدار الآخرة».
فالسر أسير صاحبه ما لم يحدث به، فكم من إظهار سر أراق دم صاحبه ومنعه من بلوغ هدفه، ولو كان كتمه لأمن على نفسه وماله، يقول بعض الحكماء: «من حصن سره فله بتحصينه خصلتان: الظفر بحاجته، والسلامة من السطوات»، وبالتالي فإن في الكتمان قضاء الحوائح، ونجاح المقاصد وبلوغ الغايات، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود».
رضا الآباء
ثاني النصائح الهامة وهي رضا الوالدين، فقد أوصى الله بالإحسان إلى الوالدين جميعًا، وقرن هذا الأمر بعبادته والنهي عن الإشراك به، ليدلل على عظمته، ومكانته في الدين، وأمر كذلك بالشكر لهما والبر بهما، وأن ذلك من شكره: «وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً» (النساء:36).
وفي ذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما: «يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب، فلا يغلظ لهما في الجواب، ولا يحد النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما، بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد تذللاً لهما».
وأما في الاستعانة بالصبر والصلاة فإنه لاشك أمر إلهي، قال تعالى: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى»، والصبر الحقيقي لاشك إنما يكون بتذكر وعد الله بحسن الجزاء لمن صبر عن الشهوات المحرمة التي تميل إليها النفس، والتفكر في أن المصائب بقضاء الله وقدره، فيجب الخضوع له والتسليم لأمره، واليقين في أن الصلاة هي الحائل بين المؤمن وغيره، فلا يغيب عنها أبدًا لأي سبب كان.
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟الرزق والموت
أما الرزق والموت فهما مقدران سلفًا من الله عز وجل، قال تعالى: «عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى: لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا تعلم نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله».
وهو ما يؤكده المولى عز وجل في قوله: «إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (لقمان 34).