بالتأكيد لو اجتمعت الدنيا بأسرها على أن تغير من درجة حرارة القبر إرضاءً لميت ما، حتى يشعر المتوفي بذلك، ما استطاعوا فعل أي شيء، لأنه فني ومات، ولا يشعر أبدًا بحرارة أو برودة، وإنما هو عمله في الدنيا الذي يقف حائلا أمام حرارة الصيف، وبرودة الشتاء، فإما يكون القبر الطريق إلى جنة الخلد، أو والعياذ بالله، إلى النار، وهذا لا يحققه سوى عمل العبد من طيب أو خلاف ذلك.
فمن جاء مؤمنًا بالله، استقبلته ملائكة الرحمن، وظل في قبره كأنه في الجنة، وحوله تكييف يطيب له حر الصيف، ويخضع له برودة الشتاء، لكن لكي يصل إلى هذه الدرجة عليه بالتصدق في الدنيا، لأن الصدقة هي الشيء الوحيد الذي يطفئ عن صاحبه حر القبر، فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إنَّ الصدقةَ لتُطفئُ عن أهلِها حرَّ القبورِ ، وإنما يستظلُّ المؤمنُ يومَ القيامةِ في ظِلِّ صدقتِه».
العلاج والاحتياج
فنحن جميعًا في أشد الاحتياج إلى الصدقة، لأن الأمر جلل، ولن يكون معك مع يعينك على حر القبور، سوى عملك، فتيقن من أنه خير العمل، وأنك بعيد كل البعد عن الوقوع في معصية تجعل من قبرك نار لا هوادة فيها، وليعلم الجميع أن هناك ثمرات بسيطة وصغيرة جدًا، لكنها هي النجاة في القبور.
ومن ذلك الصدقة لاشك، فما أحوجنا جميعًا لهذا الثمرات الصغير والكبير والآمر والمأمور، وبالأخص دفع الصدقات إلى من هم محتاجون إليها، وخصوصًا فقراء الخيم في الدول الإسلامية، فمن ساعد مسلمًا على تخطي شدة البرد القارس نجاه الله لاشك من حر القبر، فالجزاء من جنس العمل، فإذا منع الأغنياء الضعفاء من حقوقهم في أموالهم، منع الله الرحمة والبركة من السماء عنهم في الدنيا والآخرة.
اقرأ أيضا:
العمل في الدنيا 4 أنواع بحسب نيتك ..اعرف مدى إخلاصك حتى يرضى عنك ربكفضائل الصدقة
إذن للصدقة فضائل عديدة، ولا تنتهي، فقد جعل الله الإنفاق على السائل والمحروم من أخص صفات عباد الله المحسنين، فقال عنهم: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم» (الذاريات:16-19)، ووعد سبحانه، وهو الجواد الكريم الذي لا يخلف الميعاد، بالإخلاف على من أنفق في سبيله.
فقال سبحانه: «قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ وَيَقْدِرُ لَهُۥ ۚ وَمَآ أَنفَقْتُم مِّن شَىْءٍۢ فَهُوَ يُخْلِفُهُۥ ۖ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّٰزِقِينَ» (سبأ:39)، ووعد بمضاعفة العطية للمنفقين بأعظم مما أنفقوا أضعافاً كثيرة، فقال سبحانه: «مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (البقرة:245)، فمن تصدق الآن، رد الله إليه صدقته خيرا منها في قبره ويوم القيامة، فتكون صدقته له (التكييف) الذي يقيه الحر والبرد، ويلطف عليه الأجواء حتى البعث.