أصبح التطاول على الإسلام في الآونة الأخيرة يشكل حالة من الغضب عند المسلمين الذين يرون أن هذه الحملة ممنهجة للنيل من عقيدتهم، وهو الأمر الذي دعا المؤسسات الدينية الرسمية للتصدي لمثل هذه الحملات، ورفع دعاوى قضائية ضد أصحابها.
وجاء ذلك بعد أشهر من الإساءة للإسلام والتطاول على العلماء وأئمة الحديث كالبخاري ومسلم والشافعي، وتدخل مؤسسة الأزهر للتصدي لمثل هذه الحملات التي تريد إحداث حالة من الفتن في المجتمع المسلم.
ما بين الحرية والتفلت
تحديد معنى الحرية شابها أمور كثيرة في الزمن القديم، حول الإساءة للأديان، فهناك فرق بين الحرية والتفلت، فالمهاجمون والمتطاولون على الدين هم أناس يفقدون الحكمة، ويتجاوزون الحدود، ففعلوا ما يحلو لهم وضلوا وأضلوا.
فالأديب العالمي شكسبير كان يجلس في "هايد بارك" في إنجلترا، ليفاجأ بأن رجل يجلس بجواره ويضع أصبعه في أذن شكسبير، فلما سأله شكسبير قاله له الرجل: "أنا حر" فرد عليه شكسبير:" حريتك تنتهي عند ملامح وجهي".
كما أن قضية الانفلات ليست خاصة بالإسلام والمسلمين، بل قضية مشتركة بين الناس جميعا، ونهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عن سب عقائد الآخرين.
اقرأ أيضا:
العمل في الدنيا 4 أنواع بحسب نيتك ..اعرف مدى إخلاصك حتى يرضى عنك ربكحكم سب الأديان الأخرى
يقول الله تعالى(( ولا تَسـُـبّوا الذين يَدْعونَ مِنْ دون اللـه فيسُـبّوا اللـه عَدْواً بغيرِ عِلْم كذلك زيَّـنّا لكل أُمّةٍ عملهمْ ثُمَّ إلى ربهم مَرْجِعُهُمْ فينبِّـئُـهُـم بما كانوا يعملون )) [سورة الأنعام 108].
والإسلام ينهى أتباعه عن سب معبود الكفار لئلا يفضي ذلك إلى سَبِّ اللـه سبحانه وتعالى.
وسَبَّ الكفر والشرك والآلهة المزيفة إذا كان هذا السبُّ يشكّل استفزازًا وفيه احتمال أن يؤدي إلى ردة فعل يُسَبُّ فيها اللـه أو أي شيء من مقدسات المسلمين فإنه يحرم عندئذٍ سب معبودات الكفار.
ومن هذه الآية أخذ الأصوليون قاعدة: « الوسيلة إلى الحرام حرام ».
فأي عمل مباح إذا رجح على الظن أنه سيوصل إلى الحرام فإنه يصبح حراماً ما دام فيه هذه المـَظِـنَّة.
ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم الوارد في الصحيحين: « من الكبائر شتم الرجل والديه » قالوا: يا رسول اللـه ، وهل يشتم الرجلُ والديه؟
قال: « يَسُبُّ أبا الرجل فيسبّ أباه، ويسبّ أمه فيسب أمه ».
وقريب من هذا قوله تعالى: (( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظَلموا منهم وقولوا آمنّا بالذي أُنزِل إلينا وأُنزِل إليكم وإلـهـنا وإلـهـكم واحد ونحن له مسلمون )) .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما عن ابن عباس في قوله تعالى: (( ولا تسبّوا الذين يدعون من دون اللـه )) الآية
قال: قالوا: يا محمد لتنتهِيَنَّ عن سـبّـكَ آلهتنا أو لنهجوَنَّ ربك. فنهاهم اللـه أن يسُـبـّوا أوثانهم فيسـبـوا اللـه عَدْواً بغير علم.
وقد بينت الآية أن كل أمّة زُيِّنَ لها عملها ودينها، فهي لا تريد أن يشتم دينَها أحد. واللـه سبحانه جعل محاسبة الناس عنده، ولم يجعل هذه المحاسبة للرسل. فالرسل ليس عليهم إلاّ البلاغ المبين، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
وهذا لا يعني المجاملة والنفاق وترك الصدع بالحق، بل يعني عدم الهبوط إلى الشتائم والاستفزاز بالتحقير والإهانة.
وحين أرسل اللـه موسى وهارون إلى فرعون قال لهما: (( اذهبا إلى فرعون إنه طغى . فقولا له قولاً ليّـناً لعله يتذكر أو يخشى )) ومن هذا القول الليّن إنذارٌ صريح لفرعون: (( إنّا قد أوحيَ إلينا أَنَّ العذابَ على من كذّبَ وتولى )) .
فالإسلام أمرنا أن لا نستفز أصحاب العقائد المخالفة بالمسبات والشتائم، لأن هذا يطفئ نور العقل، ويشعل غريزة الدفاع عن النفس، ويقفل الباب أمام الاستجابة للدعوة. وفي الوقت نفسه أَمَـرَنا أن نبـيّن ضلال العقائد المخالفة وزيفها وسوء عاقبة أصحابها بأسلوب صريح وحجة قوية.