اعلم يقينًا أن أي خدمة تقدمها لغيرك ابتغاءً لوجه الله تعالى، إياك أن تنتظر من ورائها حتى كلمة "شكرًا"، فقد كان بعض العارفين يقول في مقام الإحسان للناس: "الثناء من الجزاء"، ما يعني أنك إذا انتظرت "الثناء" فقد نلت "الجزاء"، وبالتالي اترك ثوابك عند ملك الملوك تجد من تدابير الحق في الخلق عجبًا.
وقديمًا قالوا (افعل الخير وألقه في البحر)، أي إياك أن تنتظر مقابله، بل احتسبه لوجه الله تعالى، وستجد نتيجة لا يمكن تخيلها أو تصورها، فإذا صنعت معروفًا أو اجتهدت في عمل ما فلا تنتظر الشكر من أحد، واعلم أن البشر قد قصروا في الشكر تجاه الخالق عز وجل وهو الذي رزقهم وأسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة، فما كان من أكثرهم إلا الجحود والنكران، فهل تنتظر أنت أيها الإنسان أن يشكرك أمثال هؤلاء البشر؟.
لا تيأس
قد يكون انتظار الشكر والمديح والثناء من الذي تقدم له معروفاً أو خيراً، سببًا رئيسيًا في أحيان كثيرة في التوقف واليأس أو الشعـور بعدم جدوى ما تقوم به، وخصوصًا أن النفس الأمارة بالسوء مع القرين السيئ، يدخلان من هذا الباب، ويعملان عملهما في دفعك إلى عدم السعي في هذا الطريق مجدداً.
لهذا افعل الخير قدر المستطاع ولا تنتظر الثناء والشكر من أحد، فالسعادة الحقيقية هي في عمل الخير بنفس راضية. جرّب وأسعد نفسك ومن حولك.. إذ لا يميل البشر إلى شكر غيرِهم، لما اعتادوا عليه من نكران وجحود، وقد صور اللهُ عز وجل جحود الإنسان بقوله تعالى: « إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ » (العاديات: 6)، أي، أن الإنسان كفور بنعم ربه عليه.
اقرأ أيضا:
أخطرها فتنة النساء والمال.. كيف تتعامل مع الفتن وتنقذ نفسك منها؟الراحة الحقيقية
من عمل عملاً، ووجهه لله عز وجل استراح، بينما من قدم عملاً لأحدهم وانتظر الشكر، مؤكد سيتعب جدًا، لأنه لن يحصد شيئًا، غير أن المؤمن بالله واليوم الآخر لا يعمل العمل الصالح كالإحسان من أجل انتظار ثواب الآخرين المادي أو المعنوي، وإلا كان تاجرًا مع الناس بعمل الآخرة - عطاء وأخذًا - وإنما يعمله إيمانًا بالله، وطلبًا لثوابه وحده.
في صحيح مسلم عن ابن الساعدي المالكي أنه قال: استعملني عمر بن الخطاب رضى الله عنه على الصدقة، فلما فرغت منها وأديتها إليه أمر لي بعمالة، فقلت: إنما عملت لله، وأجري على الله، فقال: خذ ما أعطيت، فإني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني - أي: أعطاني عمالتي وأجرة عملي - فقلت مثل قولك، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أعطيت شيئًا من غير أن تسأل، فكل وتصدق».