قد يتفق الجميع على أن أفظع المناظر على الإطلاق هو مشهد القبر، أو وقت حفر القبر لدفن الميت، فالكل نفسه تجزع وقلبه يُخفق، يخشى هذه اللحظة جدًا، وهو يعلم يقينًا أنه آتيها لا محالة.
ويروى أن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه كان إذا وقف على قبر يبكى حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا! ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : « القبر أول منازل الآخرة ، فإن ينج منه فما بعده أيسرُ منه ، وإن لم ينج منه فما بعده أشدُّ منه»، قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والله ما رأيت منظرًا قط إلا والقبر أفظع منه»، فهل عملت لهذا اليوم، أم أنه مازال لم يأتِ لك على بال؟.
مكان موحش
لو تدبرت قليلاً ما قاله سيدنا عثمان رضي الله عنه، وما ينتابه من خوف وفزع من رؤية القبر، ستجد أنه نابع عن تصور صحيح لذلك المكان الموحش، فبعد أن كان الإنسان يحيا حياة الأنس والسرور، إذا به يأوي إلى مكان ليس فيه أنيس ولا جليس، وبعد أن كان مبجلاً معظمًا في هذه الحياة إذا به يهال عليه التراب، ويرمى في قعر بعيد، إنه أمر لو تفكر فيه المتفكرون، واعتبر به المعتبرون، ما هنئوا بسعادة أبدًا.
ومما يروى في هذا المعنى أن الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وعظ يوماً أصحابه في حال أهل القبور ، فقال : «إذا مررت بهم فنادهم إن كنت منادياً ، وادعهم إن كنت داعياً، ومر بعسكرهم، وانظر إلى تقارب منازلهم .. سل غنيهم ، ما بقي من غناه ؟ .. واسألهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون، وعن الأعين التي كانوا للذات بها ينظرون .. واسألهم عن الجلود الرقيقة ، والوجوه الحسنة، والأجساد الناعمة، ما صنع بها الديدان تحت الأكفان؟! .. أكلت الألسن، وغفرت الوجوه، ومحيت المحاسن، وكسرت الفقار، وبانت الأعضاء ، ومزقت الأشلاء ، فأين حجابهم وقبابهم ؟ وأين خدمهم وعبيدهم ؟ وجمعهم وكنوزهم ؟ أليسوا في منازل الخلوات ؟ أليس الليل والنهار عليهم سواء ؟ أليسوا في مدلهمة ظلماء ؟ قد حيل بينهم وبين العمل، وفارقوا الأحبة والمال والأهل».
اقرأ أيضا:
أخطرها فتنة النساء والمال.. كيف تتعامل مع الفتن وتنقذ نفسك منها؟بداية الآخرة
فالقبر هو لاشك أول منازل الآخرة، فإما أن يكون روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار ، فإن العبد إذا أدخل في قبره ضمه القبر ضمة تتداخل معها أضلاعه ، وهذه الضمة لا ينجو منها أحد ، سواء أكان مؤمنا تقيًا أم كافرًا.
في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إن للقبر ضغطة ، ولو كان أحد ناجيًا منها نجا منها سعد بن معاذ »، فاللهم نجنا من قبضة القبر وعذاب القبر ووحدة القبر، واجعله أنيسًا لنا، وروضة من رياض الجنة يارب العالمين.