الصحابي الأنصاري الجليل جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام كان يندر من بني غنم بن كعب بن سلمة أحد بطون قبيلة الخزرج، ولأبيه عبد الله بن عمرو بن حرام وقد اختُلف في كنيته فقيل أبو عبد الله، وقيل أبو عبد الرحمن، وقيل أبو محمد. أسلم جابر صغيرًا حين شهد بيعة العقبة الثانية مع أبيه.
ومنذ أيام إسلامه الأولي وهجرة الرسول صلي الله عليه وسلم إلي يثرب ارتبط الصحابي الجليل بعلاقات وثيقة بالنبي حيث كان لصيقا بسيد البرية ، وكان الصحابي من أنصار النبي محمد الذين التفّوا حوله، إلا أنه لم يشهد غزوة بدر ولا غزوة أحد، حيث منعه أبوه من المشاركة فيهما لأجل أن يرعى أخواته التسع، ولكن بعدما استشهد أبوه في أُحد، لم يتخلّف جابر عن غزوة من غزوات النبي محمد، كما شهد بيعة الرضوان.
وقد مرض جابر ذات مرة في زمن النبي محمد، فعاده النبي، واشتكى له أنه إن مات فسيورث كلالة، فنزلت آية الكلالة:يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم" لتوضح للمسلمين كيفية التوريث في تلك الحالة.ٌ
في عهد الخلفاء الراشدين ، شارك جابر في الفتح الإسلامي للشام، وكان في جيش خالد بن الوليد الذي حاصر دمشق، كما زعم الكلبي أنه شهد وقعة صفين مع علي بن أبي طالب. ثم تفرّغ جابر للجلوس في المسجد النبوي يعلّم الناس، وكان من المكثرين في رواية الحديث النبوي، فكانت له حلقة في المسجد يلتفّ فيها الناس ليسمعوا من الحديث النبوي وليستفتونه، حيث كان مفتي المدينة في زمانه. كما كان لا يتورع أن يرتحل ليتأكد من صحة الأحاديث، فقد رُوي أنه رحل في آخر عمره إلى مكة ليتأكد من صحة أحاديث سمعها، كما رُوى أنه رحل إلى مصر ليسمع حديث القصاص من عبد الله بن أنيس.
الصلات الوثيقة التي ربطت النبي بالصحابي الجليل انتجت عديدا من المواقف الرائعة التي جمعت بين رسول الله صلّي الله عليه وسلم والصحابة عليهم رضوان الله ، حيث أن النبي كان رفيقًا رحيمًا حنونًا كريمًا ، وقد ورد العديد من القصص التي توضح كيف كان الرسول الكريم على خُلق عظيم ، ومن إحدى مواقفه النبيلة موقفه مع الصحابي الجليل جابر بن عبدالله .حيث كان جابر بن عبدالله يحب التقرب من رسول الله صلّي الله عليه وسلم ، فكان يخرج معه في الغزوات ضد الكفار ، كما شارك معه في مسيرته إلى نجد من أجل محاربة الكفار ، وقد خرج جابر بن عبدالله مع النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ولم يكن معه ما يركبه سوى جمله المريض ؛ حيث أن ذلك الجمل كان ضعيفًا وهزيلًا ، ولم يكن يستطيع أن يصل بجمله إلى رفاقه الذين سبقوه .
الحالة الضعيفة لجمل الصحابي الأنصاري الجليل اسهمت في تخلفه عن المسيرة نتيبجة لبطء جمله الهزيل ، ولكن الرسول صلّي الله عليه وسلم قد لحق به ولاحظ تأخره عن باقي أصحابه ، فقام المصطفي بسؤاله عن سبب هذا التأخير ، فأجابه جابر قائلًا :”يا رسول الله ؛ أبطأني جملي هذا”، فقال له الرسول صلّي الله عليه وسلم :”أنخه” ، فأناخ جابر ذلك الجمل المريض كما أناخ النبي ناقته .
خلال هذا الموقف توجه النبي صلي الله عليه إلي الصحابي الجليل قائلا :”أعطني هذه العصا من يدك” ، فقام جابر بإعطاء الرسول صلّي الله عليه وسلم العصا التي كانت بيده ، فنخس الرسول الجمل بتلك العصا بعض النخسات ، ثم أمر جابر قائلًا :”اركب” ، وبالفعل ركب جابر الجمل وكانت المفاجأة الكبيرة في انتظاره ، حيث أن جمله الضعيف أصبح بإمكانه سباق ناقة رسول الله صلّي الله عليه وسلم .
وبل وغدا الجمل الجمل وكأنه لم يكن مريضًا منذ لحظات مع جابر ، وحينها قال رسول الله صلّي الله عليه وسلم :”أتبيعني جملك هذا يا جابر؟” ، فأجاب جابر :”بل أهبه لك يا رسول الله ، ولا أبيعه فهو هبة وهدية” ، فقال الرسول الكريم :”لا ، ولكن بعنيه ” ، في ذلك الوقت قال جابر :”سمه وقل ثمنه يا رسول الله” ، فقال النبي :”بدرهم” ، ولكن جابر ردّ بقوله :”لا يا رسول الله ، لا أرضى بهذا السعر” ، فقال الرسول إليه :”بدرهمين” ، فأجابه جابر قائلًا :”لا يا رسول الله”.
استمر الرسول صلّي الله عليه وسلم هكذا يرفع في سعر بعير جابر الذي كان يرفض كلما زاد رسول الله في السعر ، حتى وصل سعر البعير إلى أوقية كاملة وهو ما يعني أنها دراهم كثيرة ، حينها قال جابر إلى النبي :”أفقد رضيت يا رسول الله؟” ، فأجابه الرسول الكريم :”نعم” ، فتحدث جابر قائلًا :”فهو لك” ، ثم أصبح جابر بن عبدالله ذاهبًا ومعه البعير إلى باب رسول الله .
ذهب جابر فيما بعد إلى مسجد قريب من بيت الرسول ، وحينما خرج النبي وذهب إلى بيته وجد البعير مام الدار ، فسأل :”ما هذا؟” ، فأجابه الناس :”هذا جمل جاء به جابر ” ، فقام النبي بالسؤال عن جابر حتى دعاه بعض المسلمين ليذهب إلى النبي ، وحينما ذهب قال له النبي :”يا ابن أخي ؛ خذ جملك” .
ثم دعا الرسول الكريم بلال حيث ثمن للبعير الذي تركه له رسول الله صلّي الله عليه وسلم ، وكان ذلك موقفًا من مواقفه العديدة التي تبين حُسن خُلقه عليه أفضل الصلاة والسلام .
الصحابي الجليل تحدث عن هذه الواقعة بالقول :: "لقد اسَتَغْفَرَ لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليلةَ البعير خمسًا وعشرين مرة"، رواه الترمذي .. ليلة البعير: هي التي اشترى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من جابر بن عبد الله جمله.
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورهاوروي عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبدالله يقول: "غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع عشرة غزوة - قال جابر - لم أشهد بدرًا ولا أحدًا منعني أبى ، فلما استشهد عبد الله يوم أحد لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة قط" رواه مسلم، ولئن فاز جابر بالغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسًا وعشرين غزوة ، فإن الفوز الأكبر الذي تحقق له هو دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم له خمسًا وعشرين مرة".
دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في جابر اثمرت وفجرت ينابيع الهدى والخير في نفسه ، ليكون بعد ذلك السادس في ترتيب الصحابة في روايتهم لأحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فهو بعد أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وأنس بن مالك وعائشة وعبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهم أجمعين.