بينما أنت تتصور أن الله حرمك من أمر ما ظللت تسأل الله أن يمنحك إياه ربما لسنوات، إلا أنه في النهاية تكتشف أن هذا الأمر لم يكن سيفيدك في شيء، بل أن الله تعالى رحمك بإبعاده عنك، كما يقول أحد الحكماء: "وتظن أنك حُرِمت.. فتكتشف أنك رُحِمت".
لا شك أن المستقبل بيد الله تعالى، وأن كل ما يصيب المرء من خير أو شر إنما هو بقضائه وقدره سبحانه، وقد كتبه عز وجل في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الخلق، والإيمان بذلك هو بلسم الحياة الذي يزيل الأسى والحزن، فلا تجزع من نصيب فاتك أو أمر تمنيته ولم يحدث، فقط ثق في اختيارات الله لك.
الرضا بقضاء الله
الأساس في الوصول إلى هذه الثقة بين العبد وربه، هو الرضا بقضاء الله وقدره، على أي حال، وهذا هو حال المؤمن دائمًا، فإن أمره كله خير، سواء في الضراء أو السراء، فعن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له».
فاعلم أن اختيار الله تعالى لك خير من اختيارك لنفسك، فهو سبحانه أرحم بك منك ومن أمك التي ولدتك، ولكن الإنسان لا يدرك ذلك لأنه بطبعه ظلوم جهول، فهو لا يعلم ما هو الأصلح له في العاجل والآجل معًا، فقد يتمنى العبد شيئا وفيه هلكته، وقد يكره شيئا وفيه منفعته، ولذلك قال تعالى: «وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» (البقرة: 216).
اقرأ أيضا:
لو عايز تعيش مطمئنًا هادئ القلب خاليًا من الهموم والغموم.. تعامل بهذه الطريقةوسوسة الشيطان
الأساس في نزوح المرء بعيدًا عن الرضا بقضاء الله، هو وسواس الشيطان، الذي يريد لنا الشر والبعد كل البعد عن طريق الله عز وجل، فتلمس رحمة الله بك في قضائه لك، ولتدع عنك وسوسة الشيطان وإحزانه، فما يدريك إلى أي حال تصير لو وصلت إليك تلك المنحة فالأمر لله تعالى يدبره بعلمه وحكمته.
وقد قال تعالى: «وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ» (الشورى/27)، ثم لو قدر أن حرمانك مما تحب حصوله ابتلاء ومحنة، فاعلم أن الآخرة خير وأبقى، وأن الجزاء فيها هو الجزاء الأوفى، قال صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط».