يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم من سورة النجم: «هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الاُْولَى (56) أَزِفَتِ الاَْزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ (60) وَأَنتُمْ سَـمِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)».
والآزفة من أسماء يوم القيامة، وسميت بذلك من الأزف، وهو ضيق الوقت، للدلالة على قرب هذا اليوم، أي قربت الساعة ودنت القيامة، وسماها الله عز وجل " آزفة " لقرب قيامها عنده، كما قال تعالى: «إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا»، وقيل سماها " آزفة " لدنوها من الناس وقربها منهم ليستعدوا لها، لأن كل ما هو آت قريب.. و"هذا نذير من النذر الاولى" يعني أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وكتابه السماوي لم يكن (أي منهما) موضوعًا لم يسبق إليه، فقد أنذر الله اممًا بمثله فيما مضى من القرون، فكيف لا تستعدون وأنتم آخر الأمم؟.
كثرة موت الشباب
لمن يشاهد من يموت من حوله، يعلم أنه بالفعل أزفت الآزفة، وأن الموت قريب جدًا من أي إنسان، فبتنا نسمع عن موت الكثير من الشباب هذه الأيام، بالحوادث أو بغيرها، فهؤلاء جاءت أزفتهم، وانتقلوا من الدنيا الغرورة إلى الآخرة الحاسمة، فإما رضا الله ورضوانه، وإما العكس ولعياذ بالله، قال تعالى: «حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ » (المؤمنون: 99 - 100).
وفي ذلك تقول أم حبيبة رضي الله عنها: اللهم متِّعْني بزوجي رسول الله، وبأبي أبي سفيان، وأخي معاوية، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك سألت الله لآجال مَضْروبة، وآثار مَوطُوءة، وأرزاق مَقْسومة، لا يُعَجِّل شيئًا منها قبْل أجَلِه، ولا يؤخِّر منها يومًا بعد أجَله، ولو سألْتِ الله أن يعافيَكِ من عذابٍ في النار، وعذابٍ في القبر، لكان خيرًا لك»، وصدق الله تعالى، حين قال: « وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ » (فاطر: 11).
اقرأ أيضا:
أخطرها فتنة النساء والمال.. كيف تتعامل مع الفتن وتنقذ نفسك منها؟الاستعداد للموت
عزيزي المسلم، اسأل نفسك، هل استعددت للموت فعلاً؟.. ذلك أن الموت هو الحقيقة التي لا يستطيع أحد من الناس أن ينكرها، قال سبحانه: « إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ » (لقمان: 34).
فيما روى البخاري عن مجاهد بن جبر، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: «كُنْ في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل»، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: «إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وخُذْ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك»، ذلك أن الموت قادم لا محالة، لكن سينجو من استعد له جيدًا، بينما من تاه وضاع في متاهة الدنيا فإنه يقع في أزمة كبيرة جدًا.