دلت أحاديث كثيرة على أن من الأخلاق ما هو فطري، يتفاضل به الناس في أصل تكوينهم الفطري، ومن ذلك: ما روى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف».
وهذا الحديث دليل على فروق الهبات الفطرية الخلقية، وفيه يثبت الرسول -صلى الله عليه وسلم - أن خيار الناس في التكوين الفطري هم أكرمهم خلقا، وهذا التكوين الخلقي يرافق الإنسان ويصاحبه على جميع أحواله.
وروي الصحابي حذيفة بن اليمان قال: حدثنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حديثين، قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا: «إن الأمانة نزلت في جدر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة»
و في هذا الحديث بيان عن الأمانة في الناس وعما تصير إليه فيهم، فقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة من حقائق التكوين الخلقي الفطري في الناس، وهذه الحقيقة تثبت أن الأصل في الناس أن يكونوا أمناء وقوله صلى الله عليه وسلم للمنذر بن عازر: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم والأناة، فقال يا رسول الله كان بي أم حدثا؟ قال: (بل قديم) فقال الحمد لله الذي جبلني على خصلتين يحبهما» .
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟مواقف عملية شاهدة على الأخلاق الفطرية:
1-الصديق أبو بكر رضي الله عنه لم يشرب الخمر قط، ولما سئل: بما كان يتجنبها في الجاهلية فقال: "كنت أصون عرضي وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان مضيعا في عقله ومروءته".
2- والسيدة خديجة رضي الله عنها - حين جاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم أول نبوءته وهو يقول «زملوني، زملوني» قالت: والله لا يخزيك الله أبدا: إنك لتصل الرحم، وتكسب المعدوم، وتعيين على نوائب الدهر.
ومن خلال المثالين السابقين نلاحظ أن ذلك كان قبل البعثة ومع ذلك كانت هناك آداب وأخلاق متأصلة فيهم وقد أقرها الشرع فيما بعد، مثل الكرم، وإكرام الضيف وغيره مما اتصف به العرب قبل البعثة.
3- وحين بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم - النساء قال: «بايعنني على أن لا تشركن بالله شيئا إلى أن قال: (ولا تزنين) قالت هند بنت عتبة: هل تزني الحرة؟».
فسؤالها يدل على أنفة وعفة وطهارة، وتلك هي الفطرة السوية التي فطرهن الله عليها تعرف الحق، وتتجه للخير.
والفطرة حين تسلم من العوارض المشوشة عليها، والتأثيرات المخدرة لها وتسقط عنها الحوائل، فإنها عندئذ تستقيم لربها وتعرف الحق، وتدعو إلى كل خلق جميل.