يقول الله تعالى محذرا من عقوبة المكر السييء :" ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله".. وذلك أن عاقبة المكر سوف تعود على الماكر نفسه مهما ظنّ من نفسه الحكمة والذكاء وحُسن التصرّف.
صاحب الملك وحاسده:
ذكر الفقيه بكر بن عبد الله المزني: " أن رجلا كان يأتي بعض الملوك، فيقوم بحذاء الملك، فيقول: أحسن إلى المحسن بإحسانه، والمسيء سيكفيه مسآته.
قال: فحسده رجل على ذلك المقام , فوشى به إلى الملك، فقال: إن فلانا الذي يقوم بحذائك، فيقول ما يقول، زعم أن الملك أبخر - أي كريه رائحة الفم-.
قال له الملك: وكيف يصح هذا عندي؟ قال: إذا وقف بين يديك، فادع به إليك؟ فإنه إذا دنا منك وضع يده على فمه كي لا يشم ريح البخر.
قال له: انصرف حتى أنظر.. قال: فخرج، فدعا الرجل إلى منزله، فأطعمه طعاما فيه ثوم، ثم خرج من عنده، فجاء إلى الملك، فقام بحذائه، فقال: أحسن إلى المحسن بإحسانه، والمسيء سيكفيه مساوئه..فقال الملك في نفسه: ما أرى فلانا إلا قد صدقني.
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟خطة الملك وفشل قتل البريء:
وكان الملك معروفا أنه لا يكتب بخطه لأحد إلا بجائزة أو صلة أو معروف، فكتب له بخطّه إلى عامل من عمّاله: إذا أتاك صاحب كتابي هذا، فاذبحه، واسلخه، واحش جلده تبنا، وابعث به إليّ.
قال: فخرج والكتاب معه، فلقيه الذي سعى به، فقال: ما هذا الكتاب؟ قال: كتاب كتبه لي الملك بخطّه، فقال: هبه لي. قال: فدفع الكتاب إليه، فمضى الرجل إلى العامل.
فلما قرأ الكتاب قال: أتدري ما فيه؟ قال: كتاب خط الملك بالهدايا والصلة , قال: إن في كتابك يأمرني أن أذبحك، وأسلخك، وأحشو جلدك تبنا، وأبعث بك إليه قال: الله، الله، ليس هذا الكتاب لي، إنما كتبه لغيري، راجع إلى الملك فيّ.
قال: ليس لكتاب الملك مراجعة. قال: فذبحه، وسلخه، وحشاه تبنا، وبعث به إلى الملك.
وجاء الرجل، فقام بحذاء الملك، فقال: أحسن إلى المحسن بإحسانه، والمسيء سيكفيك مساوئه .
قال له الملك: ما فعلت بالكتاب الذي كتبته لك؟ قال: لقيني فلان، فاستوهبني، فوهبته له , قال: إن فلانا ذكر أنك تزعم أني أبخر؟ قال: معاذ الله، ما قلت هذا أيها الملك.
قال له الملك: فلما وضعت يدك على فيك حين قربت مني؟ قال: أطعمني طعاما فيه ثوم، فوضعت يدي على فمي، كي لا تشم مني ريح الثوم , قال: صدقت، قم ذلك المكان، وقل كما كنت تقول ".