شهر رمضان هو فرصة حقيقية للتدريب على الورع، والخوف من الله وتقواه حق تقاته، فرمضان يدرب المسلم على أن يبتعد عن الحرام، ويغض بصره عن الحرام، وأن يطب مطعمه ليكون مستجاب الدعوة، ويعلمه الإكثار من الصدقات، والذكر والاستغفار وقيام الليل، لذلك يعد شهر رمضان هو التدريب العملي الحقيقي لإنشاء مسلم قوي منضبط متصالح مع نفسه ومع ربه، هادئ النفس، مستقر في أخلاقه وصفاته المحمودة.
وقد تعلم الصحابة رضوان الله عليهم الورع من إمام الورعين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي ينبغي أن يكون القدوة والأسوة لنا في الورع مما لا يُشَكُّ ويُرتابُ فيه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطة على فراشي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فأُلقيها))؛ [متفق عليه].
ما هو الورع؟
فالورع كما عرفه النبي صلى الله عليه وسلم وكشف لنا أسراره هو ترك المحرمات، ويشمل ترك المشتبهات، فما يخشى المسلم من عاقبته في الآخرة فليتركه؛ فعن الحسين بن علي رضي الله عنه قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ((دع ما يُريبُك إلى ما لا يُريبُك))؛ [أخرجه النسائي والترمذي].
والورع قُرْبة يُؤجَر عليها المسلم؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمِعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الحلال بيِّنٌ، وإن الحرام بيِّنٌ، وبينهما أُمور مُشتبهات، لا يعلمهُنَّ كثير من الناس، فمن اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام))؛ [متفق عليه].
ومن الأمور التي ينبغي الحرص على الورع فيها: ما يأكله الإنسان ويشربه؛ لأن إجابة الدعاء متوقُّف على كونها طيبة مباحة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يُطيل السفر، أشعث أغبر، يمدُّ يديه إلى السماء: يا ربِّ، يا ربِّ، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغُذِي بالحرام، قال: ((فأنَّى يُستجاب لذلك))، فليحرص الإنسان على الورع، لا سيما في مأكله ومشربه وملبسه ومنكحه، فإن الأمر خطير جدًّا.
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورهانماذج من ورع الصحابة
و كان للورع منزلة عظيمة عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ضربوا رضي الله عنهم أمثلة عظيمة في ذلك، في أشياء يسيرة لا يلقي لها كثير من الناس اهتمامًا، فخالد بن الوليد رضي الله عنه، دخل مع الرسول صلى الله عليه وسلم على ميمونة رضي الله عنها، وهي خالتُهُ، وكان عندها ضبٌّ محنوذٌ، فقدمت الضبَّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الضبِّ، فقالت امرأة من النساء: إنه ضبُّ يا رسول الله، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدَهُ عن الضبِّ، فقال خالد بن الوليد: أحرامٌ الضَّبُّ يا رسول الله؟ قال: (( لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه))؛ [أخرجه البخاري].
ومن ورع الصحابة، انظر لعمر بن الخطاب في أبسط الأشياء التي تصور فيها وهو يموت أن بها استغلال لموته، أو لمنصبه، حينما جاء مشهد وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورغم الألم الذي به نتيجة الطعنة الغادرة التي تعرض لها من أبي لؤلؤة المجوسي، وهو يصلي، فقد أتي بالحليب فشربه فخرج الحليب من خاصرته .. فقال له الطبيب: أوصِ يا أمير المؤمنين فإنك لن تعيش !!.
فنادى عمر بن الخطاب ابنه عبدالله وقال له: ائتني بحذيفة بن اليمان، وجاء حذيفة وهو الصحابي الذي أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم، جدولا بأسماء المنافقين ولا يعرفهم إلا الله ورسوله وحذيفة.
وقال عمر و الدماء تجري من خاصرته ورعا من أن يكون اسمه بين هؤلاء المنافقين وخوفا من أن يقابل الله عز وجل وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم منافقأ: يا حذيفة بن اليمان أناشدك الله هل قال الرسول اسمي بين المنافقين؟.
فسكت حذيفة ودمعت عيناه وقال: ائتمنني النبي على سر لا أستطيع أن أفشيه يا عمر، قال : بالله عليك قل لي هل قال رسول الله اسمي بينهم ...؟؟
فبكى حذيفة فقال: أقول لك ولا أقولها لغيرك والله ما ذكر اسمك عندي...!!.
فقال عمر لإبنه عبدالله: بقي لي من الدنيا أمر واحد ؟؟
فقال له : ما هو يا ابتاه ؟
قال : أن ادفن بجوار رسول الله
يا بني اذهب الى عائشة أم المؤمنين .. ولا تقل أمير المؤمنين بل قل عمر يستأذنك أنت صاحبة البيت إن أذنت أن يدفن عمر تحت قدمي صاحبيه.
فقالت : نعم قد كنت أعددت هذا القبر لي واليوم اتركه لعمر .
ومات عمر بعد أن أوصى ابنه فقال: إن حملتني وصليت عليّ في مسجد رسول الله فانظر إلى حذيفة فقد يكون راعني في القول فإن صلى عليّ حذيفة فاحملني باتجاه بيت رسول الله، ثم قف على الباب فقل يا أماه ولدك عمر ولا تقل أمير المؤمنين فقد تكون استحييت مني فأذنت لي فإن لم تأذن فادفني في مقابر المسلمين.
فحمله ونظر في المسجد فجاء حذيفة وصلى عليه، فاستبشر بن عمر وحمله إلى بيت عائشة ، فقال يا أمنا ولدك عمر في الباب هل تأذنين له ؟ فقالت: ادخلوه.. فدفن سيدنا عمر ( رضي الله عنه ) بجانب صاحبيه.