مغتربة واخوتي يستغلونني ماديًا.. ماذا أفعل؟
مغتربة منذ 15 عامًا ولم أتزوج، والمشكلة أن اخوتي لا يسألون عني ويستغلونني ماديًا، فهم لا يتذكرونني إلا في ضوائقهم المادية، احداهن مطلقة وتعول، وواحدة متزوجة وأم، والأصغر مني مباشرة لم تتزوج أيضًا وتعيش مع والديّ المسنين وتقوم على رعايتهم.
أنا أشعر بالوحدة وأصبت بعدد من الأمراض منها الفيبرومالجيا، وقررت مقاطعتهم وعدم السؤال عنهم أو مساعدتهم.
ما الحل؟
الرد:
مرحبًا بك يا عزيزتي..
أقدر مشاعرك تمامًا، وأتفهمها، ولكنك لم تتحدثي عن تفاصيل كثيرة مهمة، كنمط العلاقات في أسرتك من الأصل، هل أنتم أسرة مفككة أم دافئة مترابطة، وهل يعاني إخوتك من يطلبون مساعدتك ماليًا بالفعل أم لا؟ وهل تبادرين أنت نفسك للتواصل معهم أم أنك دائمًا في وضع انتظار الاهتمام والتواصل؟ وأين بقية دوائر علاقاتك؟
لاشك أن الغربة صعبة، ولكنه قرار اخترته يا عزيزتي، ولكل قرار أثمان لابد أن ندفعها، وشكل علاقات سيتغير لا محالة لابد أن ننتبه له، ونتعلم كيف نتعامل معه بشكل صحي، ولاشك أن الانتقال لبلد آخر هو أمر صعب، وبقدر صعوبته لابد أن نتهيأ نحن له قبل غيرنا.
عزيزتي، نحن من نستطيع أن نتغير، ونحن من يجب أن نعرف "احتياجاتنا" وكيفية اشباعها، وما أراه أن نمط العلاقات في الأسرة ربما ليس دافئًا من الأصل، وأن لديك احتياجات نفسية مشروعة، ومهمة، لم يتم اشباعها منذ الطفولة، وهناك عطش وحرمان شديد، خاصة أنك لم تتزوجي أيضًا ويكون لديك شريك وأسرة تشبع احتياجاتك هذه، لذا تصبين جام غضبك على أخوتك وأسرتك، من وياللمفاجأة، ربما تكتشفين- لو واجهت- أنهم يعانون مثلك، وربما هم أيضًا يقيمون معًا لكنهم وحيدون ولا يجدون الاهتمام والتواصل الذي يريدون.
في العلاقات يا عزيزتي، خاصة القريبة هكذا، نحتاج إلى معرفة احتياجاتنا، ومشاعرنا، والتعبير عن الأخيرة واشباع الأولى من مصادر آمنة ومتاحة وجيدة.
في العلاقات يا عزيزتي، خاصة القريبة هكذا، نحتاج إلى – المواجهة- بدون لوم أو عتاب أو اتهام وسوء ظن- فهذه تغلق أبواب الحديث من الأصل وتعقد الأمر ولا تحل المشكلة، وتزيد الطين بلة.
وأعني بالمواجهة أن نجلس معًا وجهًا لوجه، ونعبر عن احتياجاتنا، وما سبب لنا الاستياء، وكذلك يفعل الآخر سواء كان أخ، زوج، صديق، أب، أم، ابن، إلخ، ونتفق في النهاية على طريقة تناسبنا معًا للتواصل، والتعامل معًا.
لا تنتظري اهتمامًا بدون طلب، نعم، تعلمي أن تطلبي احتياجك، فلولا أن اخوتك يطلبون مثلًا احتياجهم المادي هل كنت ستعرفين أنهم في ضائقة مالية؟ وكذلك الاحتياجات النفسية يا عزيزتي، وسوى ذلك افساد للعلاقة وظلم للنفس.
البتر يا عزيزتي هو أسهل الحلول –الحلول الوهمية بالطبع- وهو يعقد لا يحل، ويضيف الألم لا يخففه، خاصة في العلاقات القريبة، وكذلك التجنب والهروب، كلها أساليب غير ناضجة، وغير صحية، في التعامل، تعقد، وتؤلم، وتوهم بالانتصار للنفس، والراحة، بينما الحقيقة هي الفقد، والمزيد من الوحدة، والانعزال المسبب للأمراض النفسية والنفسجسدية، والألم النفسي.
ببساطة شديدة، يمكنك المواجهة الصحية هكذا، لا الشجار، وعرض حقيقة وضعك المالي، وتقديم عرضك المناسب في المساعدة، فأنت بالغة وراشدة ومسئولة ولست عرضة للاستغلال، ويمكنك التحكم في مالك، وعدم السماح بالاستغلال إن كان فكرة حقيقية لا وهمية، وتذكر أن الله منحك منحة قضاء حوائج الناس، وهم ليسوا أي ناس، بل الأولى بالمعروف، واستشعار "قيمة" المساعدة، واضافتها لشخصيتك، وأجرها في الدنيا والآخرة، فالسعاد بحق يا عزيزتي- إن جربتها- في العطاء لا الأخذ، وتذكر نعمة الله عليك أنك لست اليد الآخذة بل المعطاءة، والبركة التي ستحل على مالك وصحتك وعمرك، فالمال من الممكن أن يسرق، أو يضيع على نفقة في علاج من أمراض، وأن وضعك هو منحة لا محنة لو أحسنت الظن، والتعامل معه.
"الاستغلال" هي فكرة ربما تكون خاطئة، قد تكون ناجمة عن الشعور بعدم المان وفقد الثقة، وأسوأ ما يمكن أن يحدث أن نهدم أو نبني علاقة على فكرة خاطئة، أنتجت مشاعر مؤلمة، فنظلم أنفسنا والآخرين.
هيا يا عزيزتي، اصلحي حياتك، وعلاقاتك المهمة، واخرجي من عزلتك، ووسعي دوائر علاقاتك، واقتربي من نفسك ومشاعرك واحتياجاتك، وابحثي عن التعافي من ألمك مع معالجة نفسية، لا صب المزيد من الزيت على النار.
ودمت بكل خير ووعي وسكينة.
