دار الإفتاء المصرية ردت علي التساؤل بالقول :يجوز للمرأة شرعًا تهذيبُ حاجبيها بأخذِ الزائد عليهما، خصوصًا إذا كانا مُنَفِّرَين أو غير مألوفَين؛ كأن يكون الشعر خارجًا عن حدود الجزء الذي ينبت فيه، أو ممَّا يطولُ فيؤذي العين، ولا يختلف الحكم بالنسبة للمتزوجة عن غير المتزوجة، بشرط ألَّا يكون ذلك بغرض التدليس والتغرير بالخاطب، ولا يدخل ذلك تحت النهي الوارد في النَّمص ولعنِ مَن تفعله أو ترضى به.
وفي التفاصيل قالت الدارفي الفتوي المنشورة علي بوابتها الاليكترونية : :نَصَّتْ الشريعةُ على إباحة الوسائل التي تتخذها المرأة للتزين وتحسين مظهرها فيما أُبِيحَ لها إظهارُه من جسدِها، وهو الوجه والكفان والقدمان؛ مراعاة لأنوثتها وتمشِّيًا مع طبيعتها، وأخبر اللهُ تعالى أنه خلق المرأة مُحبَّةً للزينة، ووصفها بالتنشئة في الحلية؛ فقال سبحانه: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ في الحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: 18]،
ومضت الدار للقول : توجيهًا إلى رعاية هذا الطبع الجِبلِّي المُنشَّأِ على الحُسن والجمال، وتحذيرًا للناس من أن يقعنَ في التشَبُّهِ بالرجال؛ حتى ورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يكره للمرأة أن تكون مرهاء أو سلتاء أو عطلاء؛ أخرجه عبد الملك بن حبيب في "أدب النساء" (1/ 280، ط. دار الغرب الإسلامي)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ثم قال: و(المرهاء) من النساء: غير المكتحلة، و(السلتاء): غير المختضبة، و(العطلاء): غير المتحلية
بل أن الشريعة جعلت مِن الزينة الظاهرة المشروعة: كلُّ ما يَظهر في وجه المرأة وكفَّيْها؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: 31]، مما جرت به أعرافُ النساء وعاداتُهنّ؛ كحُمرة الوجه وصفرته، وكحل العينين، وسواد الحاجبين، ونحو ذلك؛ لِما في تستُّره من الحَرج والضِّيق النفسي.
واستدركت الدار للقول :فالزينة في أصلها على نوعين: خِلْقية، ومكتسبة. فالخِلْقية: ما كان في أصل خِلْقة المرأة. والمكتسبة: ما تتجمل بها مما زاد على أصل الخِلْقة. وقد نصت الآية على إباحة إبداء الزينة الظاهرة للمرأة على جهة الإطلاق، وهذا يشمل الخِلْقية منها والمكتسبة.
قال الإمام ابن العربي في "أحكام القرآن" (3/ 381، ط. دار الكتب العلمية): [والزينة على قسمين: خلقية، ومكتسبة. فالخِلْقية: وجهُها؛ فإنه أصل الزينة وجمال الخلقة.. وأما الزينة المكتسبة: فهي ما تحاوله المرأة في تحسين خَلْقِها بالتصنع؛ كالثياب، والحُلِيّ، والكحل، والخضاب] اهـ.
وكما أنَّ الشريعة طالبت الإنسان بأن يكون جميلَ الباطنِ حسنَ الطويَّة، طالبته أيضًا أن يكون جميلَ الظاهرِ حسنَ الهيئة، فيتفقُ جمالُ خِلْقَتِهِ (من حُسن الهيئة والنظافة)، مع صفاء جوهره وحُسن سريرته؛ حتى إِن الْحُكَمَاء وَالْعُلَمَاء قد استدلوا بِحسن الْخَلْقِ على حُسنِ الخُلُقِ؛ قَالُوا: اقصدوا بحوائجكم سماح الْوُجُوه فَإِنَّهُ أنجح لَهَا، أَو فَإِنَّهُ أَحْرَى أَن تُقضى، وَأَيْضًا فَإِن الْجمال وَالْحسن مَحْبُوب بالطبع ومرغوب فِيهِ، والقبح منفور عَنهُ؛
ومِن ذلك: ما تقوم به المرأة من الأخذ من حاجبيها؛ فقد ورد في السُنَّة وأقوال السلف والأئمة مشروعية ذلك لها؛ ضرورةَ إماطة الأذى عن وجهها، وأن ذلك ليس خاصًّا بالزوج؛ فعن امرأة ابن أبي الصَّقْرِ: أَنَّها كانت عند أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فسألتها امرأةٌ فقالت: يا أم المؤمنين، إن في وجهي شعرات؛ أَفَأَنْتِفُهُنَّ أَتَزَيَّنُ بذلك لزوجي؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: "أَمِيطِي عَنْكِ الْأَذَى، وَتَصَنَّعِي لِزَوْجِكِ كَمَا تَصَنَّعِينَ لِلزِّيَارَةِ" أخرجه عبد الرزاق في "المصنف". وفي رواية عن أبي إسحاق قال: وسألتْهَا امرأتي عن المرأةِ تحفُّ جبينَهَا؟ فقالت: "أَمِيطِي عَنْكِ الأَذَى مَا اسْتَطَعْتِ" أخرجه ابن الجعد في "المسند". وفي رواية: أنَّ امرأةً سألتها عن الحف؟ فقالت: "أَمِيطِي الْأَذَى عَنْ وَجْهِكِ" رواه القاضي أبو يوسف في "الآثار" وابن الجعد في "المسند".
فإن كان للزوج فهو في الإباحة آكد؛ لما في رواية بَكرَةَ بنت عقبة: "إِنْ كَانَ لَكِ زَوْجٌ فَاسْتَطَعْتِ أَنْ تَنْزِعِي مُقْلَتَيكِ فَتَصْنَعِيهِمَا أَحْسَنَ مِمَّا هُمَا فَافْعَلِي" رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى".
وقد ورد ذلك في حقِّ الرجال عن جماعة من السلف؛ فعن إسحاق بن إبراهيم قال: "رأيت أبا عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- يأخذُ من حاجبيه بالمقراض"، وقال: قال أبو حمزة: "أرسلْنا إلى امرأةٍ قد سماها أبو عبد الله، فقلنا: أكان الحسن يأخذ من حاجبيه؟ قالت: نعم، رأيته يأخذ من حاجبيه"، وبمثله عن يحيى بن معين عن أبي حمزة. أخرجه الإمام أبو بكر الخلال في "الوقوف والترجُّل" (1/ 123-124). فإذا جازَ ذلك في حق الرجال: ففي حق النساء آكد وأولى؛ لأنه أنسب لفطرتهن وألصق بأُنوثتِهنَّ، كما سبق مِن بيان أصل تنشئتهنّ.
واشارت فتوي الدار إلي أن حفُّ الجبين الوارد في الروايات: هو أخذ الشعر الزائد عن منابت الحاجبين وحدودهما، فيما يعرف بتزجيج الحواجب؛ قال الإمام أبو سليمان الخطابي في "أعلام الحديث" (2/ 1133، ط. جامعة أم القرى): [تَزجيج الحواجب: وهو حذف زوائد الشَّعر، ولَقْط النواجمِ منها، الخارجةِ عن حَدّ منبَتها] اهـ.
ولذلك أجاز الفقهاء إزالة الشعر الزائد عن شعر الحاجبين بالحف أو الحلق -للزوجة ولغيرها- بأن يكون الشعر خارجًا عن الحد المألوف (وهي حدود منابت الشعر)، أو مما يطول فيؤذي العين، أو مما يقبح منظره ويُنفِّر.
وبحسب الفتوي فقد فرق الفقهاء بين المتزوجة وغير المتزوجة إنَّما كان باعتبار الداعي لأخذ المرأة من الحاجبين؛ بأن كان لزوجها غرضٌ في تَزَيُّنِها له، أو ينفُرُ عنها بسببه، ولذلك جعلوه في حقِّ المتزوجة بإذن الزوج، وهو في غير المتزوجة أو مَنْ أرادت الزواج أولى وآكَدُ؛ لأنَّ زينتها أدعى لنكاحها، ومُرَغِّبًا للخُطّاب فيها.
وهو ما جاءت السُّنَّةُ التقريريَّة به لمن أرادت الزواج بعد انتهاء عدتها؛ فعن سُبَيْعةَ بنتِ الحارث الأسلمية رضي الله عنها، أنها كانت تحت سعد بن خولة رضي الله عنه، فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تَعَلَّتْ مِن نفاسها تجمَّلَتْ للخُطَّابِ، فدخل عليها أبو السنابل فقال لها: "ما لي أراكِ متجملةً! لعلك ترجين النكاحَ! إنكِ -والله- ما أنتِ بنَاكِحٍ حتى تمر عليكِ أربعةُ أشهر وعَشرٌ"، قالت سُبَيْعَةُ: "فلما قال لي ذلك، جمعتُ عليَّ ثيابي حين أمسيتُ، فأتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسألتُه عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللتُ حين وضعتُ حملي، وأمرني بالتزوج إن بَدَا لي" متفق عليه.
فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ» متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو مرويٌّ عن السيدة عائشة رضي الله عنها، وقد سبق أن بيَّنا مذهبها رضي الله عنها في جواز الأخذ من الحاجبين، بل واستحبابه إن كان مُنفِّرًا مؤذيًا.
وخلصت الدار في نهاية الفتوي للقول :يجوز للمرأة شرعًا تهذيبُ حاجبيها بأخذِ الزائد عليهما، خصوصًا إذا كانا مُنَفِّرَين أو غير مألوفَين؛ كأن يكون الشعر خارجًا عن حدود منابته، أو ممَّا يطول فيؤذي العين، ولا يختلف الحكم بالنسبة للمتزوجة عن غير المتزوجة، بشرط ألَّا يكون ذلك بغرض التدليس والتغرير بالخاطب، ولا يدخل ذلك تحت النهي الوارد في النَّمص ولعنِ مَن تفعله أو ترضى به