ربما يجهل الإنسان أعدى أعدائه فيهاجم أحبابه وأصفياءه ويعادي أصدقاءه ظنا منه أنهم ضده.. وهو لا يربي إلا ذلك وقد تكون الحقيقة مغايرة.
فنفسك التي بين جنبيك قد تكون أمكر بك إن لم تهذبها .. وتكون طريقك للردى إن لم تؤدبها .. ووسيلتك للفحش إن لم تحاسبها لذا فإن المؤمن مطالب بتهذيب نفسه ومتابعتها وعدم الغفلة عنها حتى لا تتفحش وتأمر صاحبها بالفحش.
كيف أربي نفسي؟
ولتربية النفس وتهذيبها وسائل كثيرة منها تذكيرها بالموت قال صلى الله عليه وسلم: (أكثروا ذكر هاذم اللذات) (رواه ابن حبان)، ولما سئل أي الناس أكيس؟ قال: (أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم له استعدادا)(رواه ابن ماجه وحسنه ابن حجر والألباني).
لأن الموت يكسر القلوب ويعظها حتى لا تتجبر لأنها تدرك حقيقة الدنيا ذلك أن ذكر الموت فيه منفعة عظيمة لصاحبه، فبه تستيقظ النفوس الغافلة، وتحيا القلوب الميتة، ويحسن الإنسان الإقبال على الله.
الصحبة الطيبة:
أيضا الصحبة الطيبة ولهذا أمر الله نبيه بقوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}(الكهف:28) يقول السعدي في تفسير الآية: "فيها الأمر بصبحة الأخيار، ومجاهدة النفس على صحبتهم ومخالطتهم، وإن كانوا فقراء، فإن في صحبتهم من الفوائد ما لا يحصى"(تفسير السعدي547).
الانكسار بين يدي الله:
ومن أروع العبادات التي تهذب النفس وتربيها الانكسار لله فمهما بلغ العبد من مقامات الدين يبقى مقصرا في حق أرحم الراحمين، ولذلك لما سأل أبو بكر رسول الله عن دعاء يدعو به قال قل: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)(متفق عليه)، وأهل التقوى دائما على وجل وخوف من الرد وعدم القبول، وقد وصفهم الله بهذا في كتابه فقال: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}(المؤمنون:60).
وعندما سألت أم المؤمنين عائشة رسول الله عنهم وقالت: "أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال صلى الله عليه وسلم: (لا يا بنتَ الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا تقبل منهم)(رواه الترمذي وصححه الألباني).
محاسبة النفس:
ولا أروع وأفضل من محاسبة النفس بعد كل عمل وفي كل يوم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(الحشر:18). من أراد تزكية نفسه فليلزم باب المحاسبة. فـ (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني)(واه الترمذي وحسنه).